(٩) هكذا العبارة في جميع النسخ، حيث جائت بعد التمثيل بالحديث الشريف للوصف الغالب الذى هو غير حجة، وعلى هذا، فاسم الاشارة يشيرُ إلى أقرب مذكور، وهو الوصف الذى لم يخرج مخرج الغالب، وهذا حجة كما قال كل من القرافي والبقوري، ولا يشير إلى الوصف الذى خرج مخرج الغالب فإن هذا لا يكون حجة كما سبق بيانه، وبذلك يستقيم الكلام ويتضح معناه، وينسجم أوله مع آخره ولا يتناقض. (١٠) عقب ابن الشاط على كلام القرافي في أول هذا الفرق إلى قوله: "وهذا هو الفرق بين القاعدتين، وَسِرُّ انعقاد الإجماع على اعتباره" أي الوصف الغالب، فاستبعد أن يكون السر والسبب في ذلك هو ما ذكره القرافي، وأورده بإيجاز واختصار، البقوري هنا، وقال أي ابن الشاط: كيف يكون الشارع مضطرا إلى النطق بما لا يقصده؟ ! ، هذا محال، فإما أن يكون المراد بالشارع الله تعالى، فاضطراره إلى أمر ما، محال، وإما أن يكون هو النبى - صلى الله عليه وسلم - فكذلك من حيث هو معصوم، والحامل له (أي للقرافي) على هذا الحال إنما هو القول بالمفهوم، والصحيح أنه باطل عند التجرد عن القرائن المفهمة لمقتضاه. اهـ. قلت: يظهر أن الفقيه ابن الشاط رحمه الله وسامحه، يحمل كلام الإمام القرافي أحيانا محملا غير ظاهر ولا وارد، ويوجهه توجها ويؤوله على فهمه تأويلا بعيدا غير سليم. إذ يبعد كل البعد أن يقصد القرافي ذلك، وأن يريد ذلك المعنى الذى اعترض به ابن الشاط. حتى يرد عليه مثل هذا الاعتراض، وأن يلاحظ عليه ذلك الملحظ بهذا الفهم الذى فهمه ابن الشاط. والذي يمكن أن يقال ويجاب به عن ذلك هو أن القرافي يتحدث عن قاعدتين، واستخلص ما استخلص منهما، كما تحدث عن المتكلم الذى يمكن أن يأتيَ الوصف الغالب وفي الغالب في كلامه وحديثه، بغض النظر عن كونه هو الشارع (أو غيره, مع الاتفاق وتسليم الكل بأن مصدر تشريع الأحكام واستنباطها هو النصوص الشرعية، ولذلك مَثَّل للقاعدة التي يريد تقريرها بالحديث النبوى الشريف. فليتأمل ذلك، والله أعلم بالصواب، وهو الموفق اليه.