للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمساكين إلى يوم القيامة، (١٩) فهي شهادة تعلقت بكلي لا بمعين، وكذلك كون الأرض عنوة أو صُلْحا (٢٠) أو غير ذلك، من النظائر.

وأما الرواية فهي أيضا في الأمور الجزئية كالإخبار عن النجاسة وأوقات الصلوات وأشياء أيضًا كثيرة، (٢١) قلنا: أما ما ذكر من فروع الشهادة، فالعموم فيها إنما جاء بطربق العرض والتبع، ومقصودها الأول إنما هو جزئي.


(١٩) هذا التساؤل من كلام القرافي، وليس من كلام الشيخ البقوري وتعقيبه كما قد يتبادر إلى الذهن. والمراد ما ذكرهُ القرافي من كون حقيقة الشهادة تتعلق بجزئى، والرواية حقيقتها التعلق بكلي لا يطرد ولا ينعكس، حيث إن الشهادة تقع في أمر كلي كالشهادة بالوقف على الفقراء والمساكين ,والرواية تقع في أمر جزئي كالإخبار عن أوقات الصلاة وغيرها، فأجاب القرافي عن ذلك بقوله فيما بعد: قلت أما ما ذكر من فروع الشهادة فالعموم فيها إنما جاء بطريق العَرَض والتبع إلى آخر ما ذكره، واختصره تلميذه البقوري.
(٢٠) أي كون الأرض فُتحَتْ من طرف المسلمين عنوة وبالقوة والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، أو فتحت بالصلح والتصالح مع ساكنيها من غير المسلمين، حيث يدخلون في ذمة المسلَمين ويؤدون لهم الجزية المشروعة في ذلك.
(٢١) كثيرا ما ترد في علم أصول الفقه والمنطق كلمات الكلي والجزئي، والكلية والجزئية، والكل والجزء، وهي كلمات إصطلاحية ذات مفاهيم ودلالات ومعاني خاصة، يجدر التذكير بها في هذا الموضوع، والتعليق عليها، تيسيرا على المطلع والباحث.
فالكلي هو اللفظ الذى لا يمنع نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه بين أفراد عديدين. وبعبارة أخرى: هو الذى لا يمنع نفس تصور معناه وحصوله في الذهن من فرض صدقه على كثيرين، لقبوله الشركة فيه، كإنسان وأسد، فإن كلا منهما يصدق على أفراد متعددة تشترك في معناه.
والكلي يقابله الجزئي، وهو اللفظ الذى يمنع نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه بين اثنين فأكثر، مثل زيد، وعمرو، وبكر، وغيرها من أسماء الأعلام الشخصية، وهو الجزء الحقيقي، في مقابلة الجزئي الإضافي، وهو الذى يندرج تحت غيره بأن يكون أخص منه، مثل زيد وعلى بالنسبة للإنسان.
أما الكل، ويقابله الجزء، فهو المركب من أجزاء، كجسم الحيوان المركب من عدة أعضاء، وجسم غيره من الكائنات الحية الأخرى.
وبتعريف آخر عند العلماء المنطق: الكل هو الموضوع المحكوم عليه بحكم من الأحكام من حيث هو مجموع أفراد دون أن يستقل كل فرد من أفراده بالحكم، نحو المثل المشهور عندهم وهو قولهم: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة، أي هيئتهم المجتمعة من عدة أفراد لا كل فرد على حدة، ومنه الآية الكريمة في سورة الحاقة: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>