المسألة الأولى: النظر في النجاسة والطهارة، فالنجاسةُ ترجع إلى تحريم، والطهارة ترجع إلى إباحة، وعلة التحريم في النجاسة الاستقذار والتوسلُ للإِبعاد، فإذا عُدمت هذه العلة للتحريم كان ذلك عِلة للطهارة التي هي إباحة، وهذا من حيث إنَّا نقول في النجاسة: إنها تحريم الملابسة في الصلوات والأغذية لأجْل الاستقذار والتوسل للإِبْعاد، والمرادُ بالقيْدِ الآخَرِ تحريم الخمر والسموم الموجبة للهلاك والأمراض، والطهارة عبارةٌ عن إباحة الملابسة في الصلوات، فعدم علّة التنجيس علة الطهارة، من حيث إن الواحدةترجع إلى التحريم والأخرى إِلى الإِباحة.
المسألة الثانية: تحريم الخمر معلَّل بالإِسكار، فمتى زال الإِسكار زال التحريم وثبت الِإذنُ، وجاز أكلها وشربها، وعلة إباحةِ شرب العصير مسالَمَتُهُ للعقل، وسلامتُه عن المفاسد، فعَدَم علة المسالمة والسلامة علَّة للتحريم، فظهر أيضا في هذه المسألةِ تصحيحُ ما قلناه. (٢٢)
المسألة الثالثة، الحدث والطهارة، فالحدث يُقال على الأسباب الموجبة للوضوء ولا نريدهَا هُنا، ويقالُ على المنع المترتب على هذا السبب، وهذا المعنى هو المراد. فَقَولُ الفقهاء: يَنْوِي رفع الحدثِ، أيْ يَنْوي رفع اتصال المنع، وأمَّا أصْلُ المَنْعِ فلا يُرفع كما لا يُرْفعُ السبب الموجِبُ للوضوء، فإنهما واقعانِ قد وقَعَا.
فإذا علمتَ هذا، فالحدثُ يرجع إلى تحريم ملابَسَةِ الصلاة حتى يتطهر، وإذا كان الحدث عبارة عن التحريم، والطهارة إباحة ذلك المُحرَّم، فالأسبابُ الموجِبة للوضوء علة التحريم، وعدمها عِلة الإِباحة بعد التطهر، واستعمال الماء سبَبُ ارتفاع ذلك المنع وحصُولِ هذه الإِباحة، فحَصَل مِنْ هذا المثالِ أنَّ علَّة الإِباحة عدم علة التحريم، وعدم سبب الإِباحة علة التحْريم.
(٢٢) كذا في نسختى ع، وح، وفي هذه المسألة عند القرافي: "فعَدَمُ هذه المسالَمة والسلامة عِلة لتحريمه (أيْ الخمر)، فظهر أيضا في هذه المسألة أنَّ عدم علة التحريم عِلة الإذن، وعدَمُ علة الإذن عِلة التحريم".