للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالاً عظيماً ثُمَّ تَسْقَمُ (٢٦). فالحالة الوسطى أعظمُ هذه الحالات، باعتبارها يكون صداق المثل، ومالكٌ يَرَى باندراج المتأخر في المتقدم.

وأما الأصل الذي هو عدم التداخل فهو أكثر في الشريعة، وذلك كالِإتلافين يجِبُ بهما ضمانانِ ولا يتداخلان، وكالطلاقين وكالنذْريْن يتعددُ منْذورهما، وكالوصيتيْن بلفظٍ واحد لشخص واحدٍ، على خلاف في هذا، وهو كثيرٌ.

وأمَّا تَسَاقُطُ الأسباب فهو قسمان: تارةً يقع الاختلاف في جميع الأحكام، وتارةً في البعضِ.

أمَّا الأولُ فكالرِّدة مع الإسلام، والقتل والكفر مع القرابة الموجبة للميراث، وكالدَّيْن يُسقط الزكاة، وأسبابُها توجبها، وكالبيِّنَتَيْنِ إذا تعارضتا، وهو كثير، حصل التنافي فوقع التساقط.

وأمَّا التساقُط بِسَبب التنافي من بعض الوجوه وفي بعض الأحكام، فكَالنكاح مع المِلك، إذا اجتمعا سقط النكاحُ لقوة المِلْكِ، ولا تَداخُلَ هنا فيقال: هي مضافة لهُما البتَّةَ (أي قَطْعاً).

ومن ذلك علم الحكام مع البينة على مذهبِ الشافعي، لا على مذهبنا، فسقط أمر البينة، لِأنها تفيد الظن، وعلمه أفاد القطع فكان أرجح، والله أعلمُ (٢٧).


(٢٦) هكذا في نسخة ح. وهي متفقة مع ما عند القرافي في هذه المسألة حيث قال "ثم تَسْقَمُ في جسمها" وهو الصواب الذي ينسجم مع المعنى وسياق الكلام. وفي نسخة: "ثم تَسْلَم"، وهي تبدُو غلطاً، بالمقارنة مع ما سَبَقَ، فليُتَأملْ، والله أعلم بالصواب.
(٢٧) عبارة القرافي هنا أوسع وأظهر وهي: "ومن ذلك علم الحاكم مع البينة إذا شهدت بما يَعْلمُهُ، فإن الحكم مضافٌ للبينة دون علمه عند مالِكٍ، والقضاء بالعلم ساقِط، حذَراً من قضاة السُّوء، وسَدًّا لذريعة الفساد على الحكام بالتُّهم، وعلى الناس بالقضاء عليهم بالباطل. وعند الشافعي علمُهُ مقدَّمٌ على البينة، لأن البينة لا تُفيد إلا الظن، والعلمُ أولى من الظن، ويحتمل مذهبُهُ أنه يجمع بينهما ويجعلُ الحكم مضافا إليهما لعدم التنافي بينهما" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>