للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباداتُ كلها لا تكون إلا فتْوى، ولا يكون فيها حكمٌ وإنْ صدرَت من قاضٍ، ولهذا كان الخلاف بعد قول القاضى فيها كما كان قبله، كأن يكونَ القاضي قد أمَرَ منادياً ينادي بأن اليومَ من رمضان، لأجْل شهادة شاهدٍ واحد عنده قَبِلَه، فللمالكي الخلاف هنا، وما أشبه ذلك من الامور التعبدية، وإنما يكون حكم الحاكم مؤثِراً في رفع الخلاف بعد حُكْمه إذا أنشأ حكمَهُ في مسألة اجتهادية تتقاربُ فيها المداركُ لأجل مصلحة دنيوية، فاشتراطُ قيد الانشاء، احترازٌ من حكمه في موانع الإِجماع، فإن ذلك اخبار وتفنيذ مَحْضٌ (١٤) بخلاف موانع الخلاف، ففيها الانشاء، وهو إلزام أحد القولين اللذين قيل بهما في المسألة. وقَولِي: متقاربٌ مَدَاكها، احترازاً من الخلاف الشاذ يحكم به ترْجيحاً على غيره، واستِناداً إلى المدْرَك الضعيف فإنه لا يَرفَعُ الخلاف أيضا. وقوُلنا: "لأجل مصالح الدنيا"، قال صاحب الجواهر: احترازا من العبادات كما قلنا أوّلاً، وإنما يكون حكومة إذا وقعَتْ النازعة في العقود والأملاكِ والرُّهون وغيْر ذلك ممّا هو في مصالح الدنيا. قال صاحب الجواهر: ما قضَى القاضى به من نقل الأملاك وفسْخ العقود فهو حكم، فإن لم يفعلْ أكثر من تقرير الحادثة لا "رُفعتْ إليه كالمرأة


وقد علق الفقيه بن الشاط على هذه الفقرة الأولى من هذا الفرق بقوله: ما قاله القرافي في ذلك صحيح". اهـ.
ثم أتى شهاب الدين القرافي بأمثلة من مسائل العبادات التي لا يتعين فيها اتّباع حكم الحاكم، لكونها مختلَفا فيها بين الأئمة، وإنما يتبعُ الخالف في المسألة مذهبَ إمامه فيها، ولا يلزّمه قول ذلك القائل لا في عبادة ولا في سببها ولا شرْطِها ولا مانِعها.
ثم قال القرافي بعد ذلك: وبهذا يظهر أن الامام لو قال: لِمَ لا تقيمونَ الجمعة الا بإذْني لم يكن ذلك حكما، وإن كانتْ المسألة مختلفاً فيها، هلْ تفتقر الجمعة إلى إذْنِ السلطان أم لا؟ وللناس أن يقيموها بغير إذن الامام، إلا ان يكون في ذلك صورة المُشَاقَّة، وخرْقُ أبِّهة الولاية، وإظهارُ العِناد والمخالفةِ، فتُمْنعُ إقامتها بغير أمره، لأجل ذلك، لا لأنه موطن خِلاف اتصل به حكم الْحاكم، وقد قاله بعض الفقهاء وليس بصحيح ... اهـ.
وعلق عليه ابن الشاط بقوله: قلت: بل هو صحيح كما قال ذلك الفقيه، لأنه حكم حاكم اتصل بأمْر مختلَفٍ فيه، فيتعيَّن الوقوف عند حكمه، والله أعلم اهـ.
(١٤) علَّق الفقيه ابن الشاط على هذا بقوله: ليس ما قاله القرافي من أنه إخبار، بصحيح، بل هو تنفيذٌ محْض، وهو الحكم بعينه، إذ لا معنى للحكم إلا التنفيذ ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>