للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الثَّقَلَيْنِ (١٦) إلى يوْمِ القِيامةِ. وما تصرَّف فيه بالامامة لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإِمام، وَمَا تصرّف فيه بالقضاء لا يجوز لأحدٍ أن يتقَدَّمَ عليه إلا بحكم حاكم، ويتحقق الفرق بين هذه بأرْبَعِ مسائل:

المسألة الأُولى أن نقرر الامَثلة لما ذكرناه فنقول:

تصرُّفُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْثِ الجيوش، وقتال الكفار والخوارج، وتوليَةِ القضاة والولاة، وقِسمة الغنائم، وعقْدِ العهد مع الكفار، وما أشْبَه هذه الاشياء التي شأنُ الأئمة أن يفعلوها، تصرَّفَ (١٧) فيها بالإِمامة. والفصلُ بين خصْمَين في دعاوي الأموال أو أحْكَام الأبْدان ونحوها، وسائر ما يحكم به من البينات أو النُّكول ونحو ذلك (١٨) فهو تصرُّفٌ بالقضاء. كلُّ ما يتصرف فيه عليه الصلاة والسلام بقوله أو فعله في العبادات أو أجَابَ به سؤالَ سائل، فهذه فتْوَى وتبليغ. وهذه المواطِنُ لاخفاء فيها، ومَوَاطِن التَّرداد والخفاء في بقية المسائل (١٩).

المسألة الثانية، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أحْيَى أرضا ميتة فهي له"، قيل: هو تصرُّفٌ بالإِمامة، فليس لأحَدٍ أن يُحْيي إلا بإذن الإِمام، وإليه ذهب ابو حنيفة. وقيل: هو تصرُّف بالفتوَى فلا يتوقف الإِحياء على إذن


(١٦) كلمة الثَّقَلين يراد بها الإنس والجن، ومنه الآية الكريمة في سورة الرحمان، الح ... "سنفْرُغُ لكم أيُّها الثقلان".
(١٧) في نسخة ح: يتصرَّف (بصيغة الفعل المضارع).
(١٨) في نسخة ح: ونحوها.
(١٩) علق ابن الشاط على قول القرافي هنا: ونحقق ذلك باربع مسائل، وعقب عليه بقوله: لم يجود القرافي التعريف بهذه المسائل ولا أوْضَحَها كل الايضاح. والقول الذي يوضحها هو أن المتصرف في الحكم الشرعي، إما أن يكون تصرفه فيه بتعريفه وإما أن يكون بتنفيذه، فإن كان تصرُّفه بتعريفه فذلك هو الرسول إن كان هو المبلغ عن الله تعالى، وتصرُّفه هو الرسالة، والَّا فهو المفتي وتصرُّفُهُ هو الفتوى. وإن كان تصرُّفه فيه بتنفيذه، فإما ان يكون تنفيذه ذلك بفصل وقضاء، وإبرام وإِمضاء وإما ان لا يكون كذلك، فان لم يكن كذلك فذلك هو الإِمام، وتصرفه هو الإمامة، وإن كان كذلك فذلك هو القاضي، وتصرفه هو القضاء. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>