للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحيث تحقق هذا فأقول:

لا شك أن الشارع اعتبر المصالح بحسب العبيد، والمفاسد بحسبهم، فأمر باكتساب ما للمصلحة من الأسباب، ونهى عن اكتساب ما للمفسدة من الاسباب. فالشريعة انبنت على قوله تعالى: . {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٣)، وهو إنما يرشدنا ويأمرنا بما فيه مصلحتنا، وينهانا عما فيه مضرتنا. فبالسلامة من المنهيات نسلم من النار، وباكتساب الأوامر ندخل الجنة ونصل إلى ما فيها من الخيرات، ونسلم بما تقدم من النار وما فيها من المضرات (٤). قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (٥). وهذا بين من طريق الآخرة.

وبقي لنا النظر أيضاً بحسب مصلحة الدنيا ومفسدتها، فنقول:

وكذلك أيضاً جاءت بهذا كما جاءت بالآخر من حيث الجملة، فينهانا عن القرب من المهلكات كالسموم وغيرها كما قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى


(٣) سورة الحشر: الآية ٧.
(٤) هكذا في نسخة الخزانة العامة بالرباط، المشار إليها بحرف ع، وكذا في نسخة الخزانة الحسنية بالرباط، والمشار إليها بحرف ح: (فنسلم بما تقدم من النار". وهو تعبير واضح ومعنى سليم. فإن امتثال الأوامر الشرعية، واجتناب النواهي الشرعية يكون سببا في دخول المرء إلى الجنة وسلامته من النار، بفضل الله ورحمته على الانسان.
وتحتمل العبارة معنى آخرَ، حيث إنها جاءت غير واضحة الخط والكتابة في بعض النسخ التي بين أيدينا، وهو: "فنسلم مِمَّا يقرب من النار"، وهو كذلك معنى جلي واضح. ويشهد له حديث الإِمام ابن ماجة رحمه الله عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من جملة دعائه: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب اليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرًا". اهـ. والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.
(٥) سورة الزلزلة: الآية: ٧، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>