للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب أن الطلاق لما كان يحْدِثُ حِرْمة، (٣) لم ينفَّذ عليه، من حيث إنه ليس أهْلا للتكليف به. ولما كان النكاح يُحْدث إباحة الوطء، وكان الصبي أهلا للإِباحة أن تَتَعلق به، وللندب، وللكراهة، وليس أهْلًا للوجوب ولا للتحريم، وقع مِنْ الفرق ما وقع.

قلت: إن كان الطلاق سببَ تحريم الوطء فالنكاح سبب وجوب النفقة عليه، وأيضا فهذا لا يتمشى على قول القاضي أبي بكر: لو أوجب الله علينا شيئا لوجب، سواء توعَّد بالعقاب على ترْكِه أوْ لا، فليس من ضرورة الوجوب والتحريم العقابُ.

قال شهاب الدين: فإن قلت: الْإِتلاف سبب وجوب الضمان، والوجوبُ تكليف، وقد انعقد في حقه، فيجب على الولي الإخراج من مال الصبي ذلك، فإن أخر ذلك للبلوغ وجب على الصبي في ماله، وخوطب حينئذ، فقد تأخر الوجوب الذي هو مُسَبَّبُ الإِتلاف إلى بعدِ البلوغ، فلِمَ لا ينعقد الطلاق في حقه ويتأخر التحريم إلى بعد البلوغ عند حصول أهلية التكليف، كما قلتم ذلك في الإِتلاف، وكلاهما سبب وضْعِيٌّ. يقتضي التكليف؟ .

ثم قال:

قلت: الاصلُ تَرَتُّبُ المسبَّبات على أَسبابها، والتأخرُ عنها خلاف القواعد، والإِتلاف لم يتَعين فيه تأخرُ مُسَبَّبِه عنه، لإِمكان الإِخراج حالةَ الإِتلاف من مال الصبي. وأمَّا الطلاق فيتأخر فيه التحريم الأمَدَ الطويلَ -ولابُدَّ- إلى حين البلوغ، فلا جَرَم لم ينعقد في حقِّه (٤) لأنه ليس سببَ إباحة فيترتب عليه مُسَبَّبُهُ في الحال،


(٣) حِرمة بِكسْر الحاء من التحريم، كما هو واضح من السياق والكلامِ الآتي بعدُ.
(٤) كذا في جميع النسخ من هذا الترتيب والاختصار للفروق، وكذا في هذا الفرق عند القرافي:
"لا جَرَم لم ينعقد"، ولعل الصوابَ إضافةُ أن المصدريةِ، فيكون المعنى: فلا جَرَمَ عدَمُ انعقاده في حَق الصبي، أو إضافةُ إنْ الشرطية، فيكون المعنى: فلا جرم إن لم ينعقد الطلاق في حق الصبي الذي أوقعه وصدَر عنه، أي لا إشكال في ذلك ولاشكَّ ولا عجَبَ فيه. فلا بدَّ إذن من إضافة أحَدِ الحرفين أو تقديرهِ موجودا في العبارة، لأن كلمة لَا جرم تاتي في كل آيةٍ من القرآن الكريم مقرونةً بحرف أن المصدرية، مثْلُ قوله تعالى: "لا جَرَمَ أن الله يعلم ما يُسِرُّون وما يعلنون"، ولذلك فهى تُؤَوَّل مع الكلمة التي بعدها بالمصدر، إثباتا أو نَفْيًا. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>