للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم للجدة بل حَرَموها، حتى رُوي لهم الحديثُ في السدسِ (٢٠)، وصرَّحَ بالنصف للبنتِ، وبالثلثين للابنتين على السوية، وَوَرثت بنتُ البنت مع البنتِ السدسَ بالسُّنة لا بالكتاب. وابنُ الابن كالابن في الحَجْب، والجد ليس كالأب في الحجب، وهذا يدل على أن الأبَ حقيقةٌ في القريب، مَجاز في آبائه. ولفظ الابن حقيقة في القريب، مجاز في أبنائه، فإن دلَّ إجماع على اعتبار المجاز وإلَّا أُلْغِي، وينبغي أن يُعتقَد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالإِجماع لا بالنص. (٢١)

قلت: لا يصح أن تكون هذه الأحكام دليلا على ما قاله من أن الوضع يفيد كذا، فإن اختلاف الأحكام لا يستفاد منه الوضع اللغوي لا نفيا ولا إثباتا، واللهُ أعلم.


(٢٠) فعَنْ قَبيصَةَ بنِ ذُؤَيب رضي الله عنه قال: جآت الجدَّة إلى أبي بكر رضي الله عنه، تَسْألُه ميراثها فقال: مَالَكِ في كتاب الله شيءٌ، وما علمتُ لك في سُنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا، فارْجِعي حتى أسأل الناس، فسأل، فقال المغيرةُ بن شُعبة: حضَرتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدَس، فقال أبو بكر: هل معَك غيرُك؟ ، فقام محمد بن مَسْلَمة، فقال مثلَ قوله، فأنفذَه لها أبو بكر. ثم جآت الجدة الأخرى إلى عمر تسألُهُ ميراثها، فقال: مالكِ في كتاب اللهِ شيء، وَما كان الذي قُضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض، ولكنْ هو ذَلك السدس، فإن اجتمعتما، فيه فهو بيْنكما، وأيَّتُكمَا خَلَتْ بِهِ فهو لها". رواه اصحاب السُّنن، وذلك أن الجدة إما أن تكون والدة الاب أو والدة الأم، وقد تجتمعان، فتكون كل واحدة موجودة قيْدَ الحياة، فيكون السدس بينهما. وفي معناه حديث بُرَيْدة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للجدة السدس إذا لم تكن دونها أمٌّ" رواه أبو داود والنسائي. فإذا كانت أم الهالك موجودة حجبت الجدة حجْبَ إسقاط، وحالت دونها والميراث.
(٢١) علق الشيخ ابن الشاط على كلام القرافي المحكي عن اللخمي بقوله:
قلت: لا أعرف صحة ما قال من أن الحقيقة في لفظ الأب وشبهه أن المراد به المباشِر، وأنه إنْ أريدَ به غيْرُ المباشر فهو مجاز. ولعل الامر في ذلك بالعكس، وأن الحقيقة في لفظ الأبُ كل من له ولادة، والمجاز، المباشرُ، لكن غَلَبَ هذا المجاز حتى صار عُرفا، فكان ذلك السبَبَ في اقتصار الصحابة فيما اقتصروا به من الاحكام على المباشر، والله أعلم.
ثم زاد ابن الشاط قائلا عند قول القرافي: "ينبغي اعتقاد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالاجماع لا بالنص، وأن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر، وأن الفقيه الذي يعتقد ذلك ويستدل باللفظ غالط، لأن الأصل عدمُ المجاز، والاقتصارُ على الحقيقة": "ما قاله القرافي في ذلك يوافَق عليه، لكن لا لأن الحقيقة في المباشر، بل لأن المجاز الصائر عرفا موجود فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>