نفي النسب هو المقصود باللِّعان وقد حصل، كما أن الوطء هو المقصود بالنِّكَاح وقد كان حاصلا بِالملْك، بخلاف المثال الأول فإن الزجر هو المقصود بالحد، وهو لا يحصل من المجنون فلم يُشرعْ الحد.
ثم إن مسألتنا إنما هي من باب اجتماع معَرِّفات على معرَّف واحد، وذلك جائز، وهذا كالبول والغائط والرج، وغيرِ ذإلث، فيجب لها الوضوء. فكما جاز اجتماع مُعَرِّفات في باب الوضوء، فَلِمَ لم يَجُزْ في باب المِلك، فليس المانع ما ذَكَر، وإنما امتنع الرجل أنْ يتزوج أمَتَه لغير هذه العلة، وليس على المعترِضِ إبداؤها.
غاية ما يقال: فمسألتنا كمسألة المَجْبُوب، فيقال: ولا هي مثلُها، لأن انتفاء النسب عن المجبوب عُرِف بدليل عقلي، وما كان يوصل إلي معرفته بالعقل لا يَحتاج الشارع إلى تعريفه.
قال شهاب الدين:
القاعدة الثانية: من مقتضى الزوجية قيامُ الرجُل على المرأة بالحِفظ والصَّوْن والتأديب لإصلاح الأخلاق، لقوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} " (٥٠) والاسترقاق يقتضي قهر الساداتِ للرقيق على الأعمال، والاستيلاءَ عليهم بالاستهانة، فيتعذر لذلك أن تكون الأمَة زوجة، وأن يكون عبد المرأة زوجَها، لِتَنَاقُضِ آثار الحقوق.
قلت: التناقض إنما يلزم في تزوج المرأة عبدَها لا في تزوج الرجُل أمَته، وأيضا فاختلاف الجهات كاختلاف الذات.
قلت: القاعدة الثالثة، كل أمْرين لا يجتمعان يقدِّم الشارع أقواهما على أضعفهما، وكذلك يقتضى العقلُ والعرفُ، ثم إن الرق أقوى من النكاح لأنه سبب لاباحة الوطء والاستخدامِ ولِملْك الرقبة، والنِّكَاحُ لا يَقوَى على هذا كلِه.