للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كأن يقول الرجل: إن فعلتُ كذا فأمُرُك بيدك، فتقول المرأة: متَى فعلت فقد اخترتُ نفسي، لزمه ذلك. ولوْ حلَفَ السيدُ بحُرِّيَّة أمَتِهِ، فقالتْ: إنْ فعلتَ فقد اخترْتُ نفسي لا يَلزَمُ.

والفرقُ أن الزوْجَ أذِنَ للحُرّة في القضاء الآن على ذلك التقدير، والحالفُ بحرية الأمَةِ لم يأذن، وإنما قصد حثَّ نفسِهِ باليمين على الفعل أو زَجْرَها عنه، وإنما يستويان إذا قالت الحرّة: إن ملكتني فقد اخترتُ نفسي.

ويردِّ عليه أن الله أذِنَ للأمَة في القضاء على ذلك التقدير (١٢٣) كما أذِن الزَّوْجُ.

وجوابُهُ أن إذن الله تعالى على التقادير لا يترتبُ عليه صحة التصرف قبل وجود التقدير، بدليل إسقاط الشفعة قبل البيع، والإِذن من الوارث في التصرف قبل المرض من الموت، وصرْف الزكاة قبل ملك النصاب، والتكفير قبْل الحنث في اليمين، فهذه التصرفاتُ باطلة، وإن كان الشارع رتبها وأذِن فيها على تلك التقادير، لأن القاعدة أن كل حكم وَقَعَ قبلي سببه وشرطِه لا ينفَّذ (١٢٤) إجماعا، وبعدهما ينفَّذ إجماعا، وبينهما، في النفوذ قولان، فالحُرّة وجدّ في حقها سبب، وهو قول الزوج مع إذن الشرع المقدَّر، والأمَةُ الموجودُ في حقها الإِذْنُ المقَدِّر فقط. وأيضا فإن حقوق العباد إنما تَسقط بإِذن العباد (١٢٥).

قال اللخمي: وسوَّى أصبَغُ الإماء بالزوجات، وسوَّي أشهبُ الزوجاتِ بالإِماء لعدَمِ ما يترتب عليه الاختيار.


(١٢٣) هو تقدير العتق.
(١٢٤) كذا في جميع نسخ هذا الترتيب والاختصار عند البقوري، وعند القرافي لا ينعقد إجماعا، سواء في هذه الكلمة والتي بعدها.
(١٢٥) قال القرافي هنا: وقد تقدمت أيضًا هذه القاعدة، ونُظِّرتُ بالوديعة والعارية، إذا هلكت بإذن ربها لا يضمن، وبإذن صاحب الشرع يضمن، ومسائل معها، (أيْ ونَظِّرتْ بمسائل أخرى مع هذه القاعدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>