للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال شهاب الدين: والجوابُ عَمّا قال الشافعي ألَّا نُسَلِّم أن لفظ الأب والأم يتناول غير الأدْنى، ويدل على ذلك أن الله فرض الأم الثلث، ولم تستحقّهُ الجدة، وحجَبَ الإِخوة بالأب ولم يحجبهم بالجد، وأن بنت الابن لَهَا السدس مع بنتِ الصُّلْبِ، بخلاف بنتِ الصلب مع أختها، فلو كانتْ هذه الألفاظ تتناول هذه الطبقات على اختلافها بطريق التواطؤ حقيقة لزم تعميم الأحكام فيها على السواءِ، وإلَّا يلزمْ تركُ العمل بالدليل، وهو خلافُ الاصل، فإذاً، اللفظ إنما يتناول ما قال الشافعي بطريق المجاز، والْأصْلُ عَدَمُهُ حتى يدل دليل عليه. (١٤٩)

والجواب عمَّا قال أبو حنيفة ان يقال: الله تعالى أمَرَ بِمَا هو حق لذَوي القُرْبَي، وكلامُنا في النفقة هَل هي حقٌّ لهم أم لا؟ ، فذلك محل النزاع، وأمّا قول تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، فحَمَلَهُ علَى أن المراد بالأولوية في النكاح أو في باب النُّصْرَة. وإذا حملنا الأولوية على ذلك وهي نكِرةٌ، سقط الاستدلال بمقتضاها، لأن المطْلَق يكفي في صِدْقِه صورةٌ واحدة مِنْ صُوَره. (١٥٠)

(١٤٩) قال الفقيه المحقق ابن الشاط رحمه الله، معقِبا على جواب الإِمام القرافي رحمه الله:

قلت: لا دليل له فيما استدل به على مراده منْ أن لفظ الأب وما معه لا يتناول غير الأدنيْن إلا مجازاً، لاحتمال أن يكون الامر في تلك الالفاظ بعكس دعواه، وذلك أن يكون يتناول الأدنَينَ وغيرَهم، لكن وقع التجوز بقصرها على الأدنَيْنَ، فيحتاج إذاك إلى قرينة تخصها بالأدنين، أو إلى دليل يدل على أن هذا المجاز انتهى إلى أن صار عرفا"

(١٥٠) قال ابن الشاط رحمه الله: ما قاله القرافي رحمه الله من الجواب عما قاله أبو حنيفة رحمه الله، مُسَلَّم صحيح. اهـ.

قلت: وقد ختم شهاب الدين القرافي رحمه الله هذا الفرق بقوله:

"فظهر من هذه الاستدلالات وهذه الاجوبة صحةُ مذهب مالك، وتفضيلُه على غيره في هذه المسألة، وظهر الفرق أيضا من خلال ذلك ظهورا بينا"

غير أن الشيخ ابن الشاط رحمه الله لم يُسَلم للقرافي بذلك فقال معقبا عليه: قلت: لم يظهر ما قاله، لاحتمال أن تكون تلك الالفاظ تتناول غير الأدنيْن بالوضع الاصلي، ووقع التجوز بقصرها على الأدنَيْن، واللهُ أعلمُ.

قلت: والذي يظهر عند التأمل في أجوبة القرافي على قول الشافعي وأبي حنيفة في الموضوع أنها ذات حظ من النظر، وأنها أقربُ إلى القبول والصواب، والى استساغَتِها نقلا ومنطقا، وبالتالي صحة مذهب مالك، وتفضيله على غيره في هذه المسألة كما قال القرافي، والله أعلم، فرحمهم الله ورضي عنهم أجمعين، وجزاهم خيرا عن العلم وخدمة الدين والمسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>