للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث أن يصفه بصفاته التي تتعلق الْأغْراضُ بها، وهي شروط السَّلَمِ (٣٤) ليكون مقصود المالية حاصلا، فإن لم يذكر الجنس امتنعَ إجماعا، وإن ذكر الجنس جوزه أبو حنيفة إذا عيَّنه بمكانه فقط، كأن يقول: بعتك ثوبا من مخزني بالبصرة، أو بعْتك ثوبا في كُمّي. ومنعَ بيعَ ثوب من أربعةٍ، وأجازه من ثلاث أثواب، لِاشتماله على الجيد والدُّونِ والوسَط. ومنع الاقتصارَ على الجنس مالكٌ وابن حنبل، لبُعْد العقد عن اللزوم بسبب توقع مخالفة الغرض عند الرؤية. وأبو حنيفة يقول: لا ضرَرَ عليه، لأن لَه الخيار، بل أجَاز له الخيار مطلقا، وإنْ جاء على وفق الصفة، بخلاف مالك، فإنه إذا جاء على وفق الصفة فلا خيار له بل يلزم البيعُ. ومنع أبو حنيفة بيعَ الحيوان على الصفة، لأنها لا تضبطه، والصفة عنده في غير الحيوان -كما قلنا- توجِبُ الصحة دون اللزوم، وعند الشافعي لا توجبها، وعندنا تُوجبها.

حجةُ أبي حنيفة أن الجهل إنما وقع في الصفات دون الذات، ونهْيُه عليه السلام عن بيع المجهول، إنما هو فيما جُهلتْ ذاتُهُ لا صِفتُه، لأن الجهل بالذات أقوى، ولقوله عليه السلام "مَنْ اشترى ما لم يَرَهُ فهو بالخيار إذا رآه" (٣٥) ولأنه عقدُ معاوضةٍ، فلا تُشترط فيه الصفة كالنكاح وباطنِ الصُّبْرَةِ، والفواكه في قِشرها.

والجواب عن الأول أن تفاوت المالية إنما هو بتفاوت الصفات دون الذاتِ، ومقصودُ الشَّرع حفظ المال عَنْ الضِّياع.


(٣٤) كذا في نُسَخِ ترتيب الفروق (السّلَم بفتح السين واللام). وعند القرافي في كتاب الفررق: "وهي شروط التسليم" أي تسليم المبيع إلى المشتري. ولعل كلمة السَّلَم أنسب وأقربُ إلى الصواب، ومعلوم أن السلم نوع من البيع يَعجَّلُ فيه الثمن، ويؤجَّلُ فيه المبيع من الطعام وغيره إلى أجل مُعَيَّن، فهو بيْع شيء موصوف بثمن معَجَّل، ويكون الشيء المبيع في ذمة البائع إلى حين تسليمه عند حلول الاصَل المعَيَّن، وسُمّيَ كذلك بالسلف، لحديث: "من أسلف فلْيُسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى اجل معلوم". (متفَق عليه). وبيْعُ السّلَم هذا مستثنَّى من حديث "لا تَبعْ ما ليس عندك"، نظرا لحاجة الناس إليه، رواه الإِمام احمد أصحاب السنن رحمهم الله.
(٣٥) أورده السيد السابق في كتابه الشهير: فقه السنة، : مخرجا له عن البَيْهقي والدارقطني رحمهما الله، معلقا عليه بقوله: وفي إسناده عمر بن ابراهيم الكَرَوي، وهو ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>