للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووَجْهُ صحة ما قالوه أن البئر كلما تَنَزَّلَ فيها ذراعا فقد شَالَ من التراب ما مساحتة عشرة في عشرة، وذلك مائة، فكل ذراع ينزله في البئر - إذَنْ - مائة، والأذرُع عشرة، وعشرة في مائة بألف، والمستاجَرُ علَيه الفُ ذراع، فلمّا عمل خمسة في خمسة شال في الذراع الأول ترابَ خمسة في خمسة، وذلك خمسة وعشرون، فَكلُّ ذراع في هذا المعمول خمسة وعشرون، والأذرع المعمولة خمسة، وخمسة في خمسة وعشرين بمائة وخمس وعشرين، وذلك ما عَمِلَه، ونسْبتُهُ إلى الألف نسبة الثُّمُن، فيستحِق الثُّمُن.

وأمّا الصندوق فليس فيه قعْر، وإلَّا استوت المسألتان، بل الألواح يُلَفِّقها، فهو استاجره على ستة ألواح، كل ناحية منها عشرة، وذلك دائرُهُ أربعة، وقَعْرُه وغطاؤُه، فكل لوح عشرة في عشرة، فهو مائة ذراع، والألواح ستة، فالمستاجَر عليه ستمائة، عَمِلَ منها خمسة في خمسة، فيكون كل لوح منها خمسة وعشرين المتحصِّلةَ من ضرب خمسة في خمسة، وخمسة وعشرين في ستة، مائة وخمسين، ونسبتُها إلى

ستمائة نسبةُ الربع.


= وما بداخلها من الكلام عند القرافي، يمكن أن يقال إنه إنه نتج عن الغفلة، ذلك أن العبرة في كل حديث وكلام بآخره وتمامه. وقد نقل الإِمام القرافي هنا كلام بعض الفضلاء العلماء، وحكاه عنه في مسألتي البئر والصندوق، وتبناه ولم ينقضه ولم يعترض عليه، وهو يفيد أن الاجير كما يكون له النصف من الاجرة بالنسبة لما عمله في بعض الصور والحالات، كذلك يكون له الثمن والربع في صور وحالات اخرى. والترجمة عند القرافي، فيما يظهر، شاملة لجميع تلك الصور والحالات، فلم يْبقَ داع للقول بالغفلة والتعجب من ظنه الترجمة صحيحةً، وبتلك العبارات والصيغة المثيرة، ولعله الاعتداد بالعلم، والمنافسةُ فيه والمعاصَرَةُ والاقترابُ منها يدفع إلى صدور مِثْلِ العباراتِ أحيانا من بعض العلماء تجاه الآخرين، أثناء تقديم للكلامهم، أو تصويب أقوالهم، واللهَ أعلم بالحق والصواب.
على أن من المسلَّم والمقطوع به أن كل مجتهد ومستنبِط وعامل في حقل العلم الاسلامي، والاجهاد والتخريج الفكري، مهما بلغ شأنه في العلم والمعرفة، فإنه مُعَرَّضٌ للخطأ أحيانا، فالعصمة إنما هيَ للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والكمال المطلق إنما هو لله وحده، والخطأ إذا ظهر واتضح في أمر من الأمور، أو مسألةٍ من مسائل العلم، يكون تصويبه بعمل مفيد، وقول سليم لطيف، ويُلْتَمَسُ لصاحبه العذرُ على أنه صدر منه عن علم وفهم وحسن نية، ويَدْعَى له بالرحمة والمغفرة {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} كما قال ربنا العليم الحكيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>