للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهي عن خشية الناس، فقال تعالى: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}، (١٩٨) وقال تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}، يقال: المراد بهذا الخوفِ المنهي عنه أن يُؤْثَرَ على خوف الله [تعالى] حتى يُترَكَ به واجب أوْ يُفعلَ به حرام.


(١٩٨) وأوَّل هذه الآية قول الله تعالى في الامر باستقبال بيت الله الحرام عند الصلاة: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}: سورة البقرة الآية ١٥٠. وكذا وردت هذه الآية في سورة المائدة، الآية ٣.
والآية الاخرى في شأن تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزوج زيد بن حارثة، وأولُها قول الله تعالى خطابا لنبيه الكريم: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}. سورة الاحزاب الآية ٣٧.
وهذا الموضوع كان مجال درس حسني قيم لمعالي وزير: الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري ألقاه بين يدي امير المومنين في رمضان المبارك لعام ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م بعنوان "حرية الفكر"، انطلاقا من حديث الامام أحمد في مسنده، والامام ابن ماجه سننه عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحقر أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ . قال: يَرَى أمراً لله، عليه فيه مقال، ثمّ لا يقول فيه: فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ ، فيقول: خشيةُ الناس، فيقول الله: "فإيَّايَ كنتَ أحقَّ أن تَخشى"، وقد طبع هذا الدرس الحسني مع الدروس الحسنية القيمة التي القيت في ذلك الشهر، وصدرت مجموعة في كتاب في شهر رمضان المبارك لعام ١٤١٠ هـ، كما صدر في كتيب خاص به، ومترجم إلى ثلاث لغات اجنبية، بعنوانه السَّابق: "حرية الفكر".
ومما قاله القرَافي هنا قوله: ومما ورد في هذا الباب (اى باب الخوف الحرام)، وهو قليل أن يُتفطَّن له، قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}، فمعنى هذا التشبيهِ في هذه الكاف قَلَّ من يحققه، وهو قد ورد في هذا الباب في سياق الذم والإنكار، مع أن فِتنة الناس مؤلمة، وعذابُ الله مؤلم، ومن شبَّه مؤلما بمؤْلمٍ فكيف ينكَر عليه هذا التشبيه، ومُدرَك الإنكار بيّنٌ، وهو أن الله تعالى وضع عذابه حاثاً على طاعته، وزاجراً عن معصيته، فمن جعل أذِية الناس حاثة على طاعتهم في ارتكاب معصية الله تعالى وزاجرة له عن طاعة الله، فقد سوَّى بين عذاب الله وفتنة الناس في الحث والزجر، وشبه الفتنة بعذاب الله من هذا الوجه، والتشبيهُ من هذا الوجه حرام قطعا، موجب للتحريم واستحقاقِ الذم الشرعي، فأنكر على فاعله ذلك، وهو من باب خوف غير الله، المحرّم، وهو سر التشبيه ها هنا.
وهذه الآية جآت في سورة العنكبوت. الآية: ١٠ - ١١، وتمامها: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>