للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا يرِد سؤال على قول عمر رضي الله عنهُ لأبي بكر رضي الله عنه: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ارتضاك لديننا فكيف لا نرتضيك لدنيانا؟ ! وهذا في ظاهر الحال لا يستقيم، لأنه لا يلزم من التقديم في الصلاة التقديمُ في الخلافة.

والجواب عنه بن وجوه:

الأول ما ذكره بعضُ العلماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلَم أن أبا بكر رضى الله عنه هو المتعيّن للخلافة، ولم يكن أن يفعلَ ذلك من قِبَلِ نفسه، لأنه عليه السلام يتبع ما أنزل إليه من ربه، وما أنزل عليه في ذلك وحْيٌ يعتمد عليه، فعند ذلك وُكِل الامر فيه إلى الاجتهاد، فكان - صلى الله عليه وسلم - يشير إلى خلافته بالإِيماء والثناء، كقوله عليه السلام: "يَأبَى اللهُ والمسلمون إلا أبا بكر". فمراد عمر رضي الله عنه أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رضيك لديننا الرضَى الحاضرَ، فيتعين علينا أن نرضاك للخلافة، وليس المراد مطلقَ الرضى.

الثاني أن عمر قصدَ بذلك تسكين الثائرة وردْعَ الأهواء، فذكرَ حجة ظاهرة ليسكن إليها أكثرَ الناس فيندفع الفساد.

الثالث أنَّا نحمل قول عمر رضي الله عنه: - رضِيَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا - على ظاهره، ونجعل الإضافة على بابها موجِبةً للعموم، ففهِم عمر رضي اللهُ عنه من إشارته عليه السلام أن الصِّديق رضي الله عنه مَرضيٌّ لجميع حُرُمات الدين، ومن جملة ذلك أحوال الأمة، والنظرُ في مصالح الملة، فإنه من أعظم فروض الكفايات، فهو من الدين، ويكون قوله: "أفلا نرضاك لدنيانا" أي هؤلاء إنما يتنازعون - يعني الأنصار - في أمر رئاسة وعلو وحصول الامر والنهي من قِبلَهم، وهذا أمر دنيوي لا ديني، يكون خسيسا بالنسبة إلى الدين الذي به مصالح الأمة، والله أعلم. (٢٨٩)


(٢٨٩) قال ابن الشاط معقبا على هذه الاجوبة عند القرافي: الجوابات لا باس بها، غير ما تَضَمنَهُ الجواب الاخيرُ من الحمل على الأنصار في قوله: "إنما قامُوا في منازعته لطلب العُلُو والرئاسة، وأنهم لما رأوا أنَّ الامر لا يصفو لهم طلبوا الشِركة"، فإن ذلك كله أمر لا يليق بهم، ولا تصح نسبتة لمثلهم، وليس الظن بهم إلا انهم طلبوا ذلك لتحصيل الاجور الحاصلة لمتولى أمر =

<<  <  ج: ص:  >  >>