للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها: تفويت الطاعة، لقوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}. (٢٩٣)


(٢٩٣) وتمَامُها قول الله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} سورة الأعراف. الآية ١٤٦
ثم قال القرافي هنا رحمه الله: وبهذه المباحث أيضا يظهر ما قاله العلماء أن الإِمام إذا وجدَ في هِو أصْلحُ للقضاء ممن هو مُتَوَلٍّ الآن، عَزَلَ الاول وولى الثاني، وكان ذلك واجبا عليه، لئلا يُفَوَّت على المسلمين مصلحة الافضل منْهُما ... الخ.
وقد عقَّبَ ابن الشاط على هذا الكلام بقوله: ما حكاه القرافي عن العلماء من أن الامام إذا وجد من هو أصلح للقضاء عزل المتولي، ينبغي حملُهُ على أن المتولي مُقَصَّرٌ عن الاهلية. ودليلُ ذلك أن المصلحة المقصودة من القضاء تحصل من المفضول المتصف بالأهلية، كما تحصُل من الفاضل المتصِف بها فلا وجْه لعزله، وقياسُهُ على الوصى فيه نظر، واستدلاله بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من وليَ من أمور أمتى شيئا ثم لم يجهد لهم ولم ينصَحْ فالجنة عليه حرام"، نقول بموجبه، ولا يتناول محل النزاع، فإن الكلام ليس فيمن لم يجهد ولم ينْصَحَ، وإنما الكلام فيمن يجهد وينصَحُ وهو أهل لذلك، غير أن غيره أمسُّ بالاهلية منه، انتهى كلام ابن الشاط رحمه الله.
قلت: وقد تناول علماؤنا رحمهم الله الكلام على موضوع الخلافة الكبرى والإمامة العظمى، وضرورتها للامة، وشروطها، والولايات والخطط التي تندرج تحتها وتخضع لها، وبَسَطُوا ذلك بسطا شرعيا ما عليه من مَزيدٍ، وفي مقدمتهم الامام العلامة ابو الحسن الماوردي، وابو يعلى الفَرَّاء، وابن تيمية، وابن خلدون رحمهم الله، وغيرهم، في كتب الاحكام السلطانية، والسياسة الشرعية في الاسلام، فكان من ذلك ما قاله الماوردي في هذا الموضوع:
"الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وِعقدُها لمن يقوم بها في الامة واجب بالإجماع، واختُلِفَ هل هي واجبة بالعقل وٍ هو قول طائفةٍ من أهل العلم، لأنه لولا الولاية العظمى لكان الناس فوضى مهْمَلين، وهمجاً مضاعين، كما قال الشاعر الجاهلي الأفوه الأوْدِي:
لا يَصْلُحُ الناس فوْضَى لا سَراةَ لهم ... ولا سَراة إذا جهالهم سادوا
والسّراة بفتح السين جمع سَرِى وهو السيد في القوم لمكانته وعلمه ونسبه وغير ذلك.
وقالت طائفة أخرى: الإمامة واجبة بالشّرع. قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، ففرضَ علينا الحق سبحانه طاعةَ اولي الامر فينا، وهم الحلفاء والائمة المتأمرون علينا". وتعرَّض العلماء لشروط الإمامة العظمى، وهي العدالة، والعلم المؤدى إلى الاجتهاد، وسلامةُ الحواس، وسلامةُ الاعضاء. وحسْن الرأي، والشجاعةُ، والنجدة، والنسبُ، والمرادُ به أن يكون الخليفة من قريش، لورود النصٌ به، وانعقادِ الاجماع عليه، لأن أبا بكر رضي الله عنه احتج به يوم السقيفة على الانصار في دفعهم عَن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة، بِقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمة من قريْش"، ، فأقلعوا عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>