للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثاني عشر بيان أنه إذا غلب المجاز في الاستعمال

فإن اللفظ يحمل عليه

لقد بيَّنا في المطلب السابق: أن اللفظ المجرد عن القرائن يحمل

على المعنى الحقيقي، ولا يحمل على المجاز، ولا يكون مجملاً،

لكن إذا غلب المجاز في الاستعمال، أي: تعارف الناس واعتادوا

على التخاطب بالمجاز دون الحقيقة، وانتشر ذلك بينهم، فإن اللفظ

يحمل على المجاز، وتكون الحقيقة - على ذلك - كالمتروكة المنسية

التي لا تنقدح في أذهان المتخاطبين.

فلو قال شخص: " رأيت راوية "، فإنه ينقدح في أذهان الناس

أن المقصود بذلك هو: وعاء الماء، ولا تنقدح في أذهانهم الحقيقة،

وهو: الجمل الذي يستقى عليه.

كذلك لو قال: " رأيت غائطا "، فإنه ينقدح في أذهان الناس

ذلك الشيء المستقذر الخارج من الإنسان، ولا تنقدح في أذهانهم

الحقيقة وهو: المكان المطمئن المنخفض من الأرض.

ففي هذين المثالين صار الوضع الأول - وهو الحقيقة - منسيا

متروكا، والمجاز معروفا سابقا إلى الفهم، ولا يمكن صرفه إلى

الحقيقة إلا بدليل.