للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المطلب الثاني هل المجاز واقع في اللغة؟]

لقد اختلف في ذلك على مذهبين:

المذهب الأول: أن المجاز واقع في اللغة العربية، وهو مذهب

جمهور العلماء.

وهو الحق؛ لأن اللغة العربية لغة فصيحة، والمجاز لا ينافي

الفصاحة، بل ربما كان المجاز أبلغ من الحقيقة - كما سيأتي ذكره في

أسباب العدول إلى المجاز - وقد ورد ووقع المجاز في لغة العرب

كثيراً -: فقد استعمل العرب لفظ " الأسد " للرجل الشجاع،

والحمار للرجل البليد، والبحر للعالم، وقولهم: " قامت الحرب

على ساق "، وقال الصلتان العبدي:

أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشي

فإن هذا البيت قد جمع بين المجاز اللغوي، والمجاز العقلي؛

حيث إن لفظ " الصغير " قد استعمل في غير ما وضع له؛ لأن المراد

به: الذي كان صغيراً فهو مجاز مرسل باعتبار ما كان، وقد أسند

الشاعر فيه الإشابة والإفناء إلى الزمن مع أن الذي يشيب ويفني هو

الله تعالى، وبذلك يكون الفعل قد أسند إلى غير ما هو له لعلاقة

السببية باعتبار أن الزمن هو السبب في المشيب، والفناء، فكان

مجازاً عقلياً.