المبحث الثالت في بيان الحكمة من تنوع الأحكام التكليفية إلى واجب
ومندوب، ومباح، ومكروه، وحرام
لقد تنوعت الأحكام التكليفية لحكم كثيرة، ومنها:
الحكمة الأولى: رفع الحرج والشقة عن المكلفين، بيان ذلك:
أن الأحكام التكليفية وضعت لمصلحة العباد، فلو قصر تلك
لتكاليف على الوجوب والتحريم - فقط - للزم من ذلك الحرج
والتضييق عليهم، فبعض العبيد قد لا يستطيع امتثال جميع الأوامر
والنواهي، ففتح اللَّه عَزَ وجَلَّ باب المباحات، والمندوبات،
والمكروهات، تخفيفاً عليهم، وذلك لعلمه - سبحانه - أن العبد
فيه ضعف من فعل الواجبات، وترك المحرمات.
الحكمة الثانية: الابتلاء والامتحان من اللَّه تعالى للمكلفين، وبيان
ذلك:
أن امتثال الواجبات، واجتناب الحرمات أقرب إلى النفس
الضعيفة التي تخاف العقاب، دون رغبة في زيادة الثواب.
لكن إذا قوي إيمان العبد، وعرف أن هذه الأحكام التكليفية
- جميعها - إنما شرعت لمصلحته، وهي السبيل لسعادته في الدنيا
والآخرة، فإنه لا يرضى أن يقف عند حدود الواجب، بل يتعداه
إلى فعل المندوبات والفضائل، ليتقرب إلى اللَّه تعالى بذلك، كما
ورد في الحديث القدسي: " وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل
حتى أحبه.. "، وكذلك لا يرضى هذا العبد أن يقتصر على
اجتناب المحرمات، بل يتعدَّى ذلك فيجتنب المكروهات.