المبحث السادس إذا كان في البلد مجتهدان فأكثر
فأيهم الذي يستفتيه العامي؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن للعامي أن يسأل من شاء ممن غلب على ظنه أنه
من أهل الاجتهاد، ويتخير، ولا يلزمه أن يسال الأعلم والأفضل.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لإجماع الصحابة؛
حيث إن الصحابة - رضي اللَّه عنهم - فيهم الفاضل والمفضول من
المجتهدين، يتبين ذلك من بعض النصوص الواردة في ذلك كقوله
- صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ "، وقوله: " ... وأقضاكم عليّ، وأفرضكم زيد،
وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل "، وكان فيهم العوام، ومن
فرض ذلك: اتباع الفاضلين والأخذ بقولهم لا غير، ومع ذلك لم
ينقل عن أحد من الصحابة تكليف العوام الاجتهاد في أعيان
المجتهدين، ولم ينكر أحد منهم اتباع المفضول، وقبول قوله مع
وجود الأفضل، فهذا يدل على أن العامي والمستمْتي له أن يتخير بين
الفاضل والمفضول.
المذهب الثاني: أنه يلزم العامي أن يسأل الفاضل، ويترك المفضول،
أي: أن العامي لا يتخير بين المجتهدين حتى يأخذ من شاء منهم، بل
يلزمه الاجتهاد في أعيان المجتهدين من الأورع، والأدين، والأعلم.