المطلب الحادي عشر بيان أنه إذا دار اللفظ بين الحقيقة والمجاز
فإنه يحمل على الحقيقة
إذا دار اللفظ المتجرد عن القرائن بين الحقيقة والمجاز، فإنه يحمل
على الحقيقة، ولا يمكن حمله على المجاز إلا إذا دلَّ دليل أو قرينة
على أنه أريد به المجاز، ولا يمكن أن نجعل اللفظ مجملاً ومشتركا
بين المعنيين، وهما الحقيقة والمجاز.
أدلة ذلك وهو: حمل اللفظ على الحقيقة، ولا يكون مجملاً:
الدليل الأول: أن واضع اللفظ للمعنى إنما وضعه ليكتفي به في
الدلالة عليه، وليستعمل فيه دون غيره من المعاني، فكان الواضع
قال: " إذا سمعتموني أتلفظ بهذا اللفظ فاعلموا أني أعني به هذا
المعنى دون ما هو مجاز فيه "، فيجب على السامع أن يحمل اللفظ
على ما وضع له، وهو المعنى الحقيقي.
الدليل الثاني: أننا لو رأينا كل لفظ احتمل أن يكون حقيقة وأن
يكون مجازاً وجعلناه مجملاً للزم من ذلك أمران باطلان هما:
الأمر الأول: بقاء كثير من ألفاظ الكتاب والسُّنَّة بدون أن يعمل
بها، فأفضى إلى عدم الاستفادة منها، وذلك لأن حكم المجمل هو
التوقف حتى يأتي دليل يرجح أحد المعاني، وهذا يؤدي إلى تعطيل أكثر
النصوص بلا عمل، وهذا ظاهر البطلان، بل لا يقوله مسلم عاقل.
الأمر الثاني: اختلال واضطراب مقصود الوضع اللغوي، أي:
لا نفهم من أي لفظة أيَّ معنى مقصود، مما يؤدي إلى عدم تفاهم
الناس في مخاطباتهم.