[المطلب الرابع فيما تقتضيه صيغة النهي وهي: " لا تفعل "]
حقيقة إذا تجردت عن القرائن
اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن صيغة النهي - وهي: " لا تفعل " - تقتضي
التحريم حقيقة، ولا يحمل على غيره من المعاني السابقة إلا بقرينة.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لدليلين:
الدليل الأول: إجماع الصحابة - رضي اللَّه عنهم - والتابعين؛
حيث إنهم كانوا يستدلون على تحريم الشيء بصيغة النهي - وهي:
"لا تفعل " - فيقولون: الزنا محرم؛ لقوله تعالى:
(ولا تقربوا الزنا) ، والقتل محرم ل قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم
الله إلا بالحق) ، والربا حرام لقوله تعالى: (ولا تأكلوا الربا) ،
ونحو ذلك، فهم كانوا ينتهون عن ذلك بمجرد سماعهم لتلك
الصيغة، ويعاقبون من يفعل المنهي عنه، واستدلالهم على التحريم،
وانتهائهم عن المنهي عنه، ومعاقبتهم لمن يفعل المنهي عنه دليل واضح
على أن الصيغة حقيقة في التحريم، فإذا استعملت في غيره كان ذلك
مجازاً.
الدليل الثاني: إجماع أهل اللغة واللسان، بيان ذلك:
أن السيد إذا قال لعبده: " لا تخرج من الدار " فخرج، ثم
عاقبه على خروجه، فإن العقلاء من أهل اللغة لا ينكرون على السيد