[المطلب الثامن بيان نوع القرينة التي تصرف الأمر من الوجوب إلى غيره]
لقد اتفق القائلون: " إن الأمر المطلق يقتضي الوجوب " على أنه
لا يصرف عنه إلا بقرينة، ولكنهم اختلفوا في نوع هذه القرينة على
مذهبين:
المذهب الأول: أن أيَّ قرينة قوية تصرف الأمر من الوجوب إلى
غيره، وهذا مطلق، أي: سواء كانت نصاً، أو إجماعا، أو
قياساً، أو مفهوماً، أو فعلاً، أو مصلحة، أو ضرورة، أو سياق
كلام، أو أية قرينة مقالية أو حالية تصلح أن تصرف الأمر من
الوجوب إلى غيره، وهذا هو الحق؛ لأن القرينة مما ذكرنا تعتبر
دليلاً شرعياً، فلو لم نأخذ بها للزم من ذلك ترك دليل شرعي قد
ثبت، وهذا لا يجوز.
المذهب الثاني: أن القرينة التي يؤخذ بها لصرف الأمر من
الوجوب إلى غيره هي: نص آخر، أو إجماع فقط.
وهو مذهب الظاهرية وعلى رأسهم ابن حزم.
دليل هذا المذهب:
أن النص الآخر والإجماع دليلان يقويان على صرف الأمر من
الوجوب إلى غيره، أما غيرهما من القرائن فليست في مستواهما من
القوة، فالعدول عن الوجوب بغيرهما انحراف عن الطريق الصحيح
وتقول على اللَّه ورسوله، وخروج على مدلولات الخطاب في لغة
القرآن والسُّنَّة.