المبحث الرابع عشر المجتهد الذي لم يجتهد في مسألة، ولكن العلوم
كلها حاصلة عنده، وعنده القدرة على الاجتهاد
فهل يجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: لا يجوز له تقليد غيره مطلقا، أي: سواء مع
ضيق الوقت، أو سعته، لا فيما يخصه، ولا فيما يفتي به،
وسواء كان المجتهد الآخر مثله في العلم، أو أقوى منه.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن تقليد من لم تثبت عصمته ولا يعلم بالحقيقة
إصابته الحكم الشرعي، بل يجوز خطأوه، وتلبيسه لا يمكن أن يثبت
إلا بنص أو قياس على منصوص، ولا يوجد هنا نص، ولا قياس؛
لأن المنصوص عليه هو: أن العامي يقلد المجتهد؛ حيث إن المجتهد
له أن يأخذ بنظر نفسه، وللعامي أن يأخذ بقول المجتهد، بيان ذلك:
أما المجتهد فإنما جاز له الحكم بظنه؛ نظراً لعجزه عن العلم
القطعي بالحكم، فالضرورة دعت إلى ذلك في كل مسألة ليس فيها
دليل قاطع.
أما العامي فإنما جاز له تقليد غيره؛ نظراً لعجزه عن تحصيل العلم
والظن بنفسه.