[المطلب التاسع في القياس في كل الأحكام]
هل القياس يجري في جميع الأحكام الشرعية بلا استثناء؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن القياس لا يجري في جميع الأحكام الشرعية.
وهو مذهب أكثر العلماء، وهو الحق، للأدلة التالية:
الدليل الأول: أنه لو كان كل حكم يصح أن يثبت قياسا: للزم
من ذلك أن يكون حكم أصل القياس ثابتا بالقياس - أيضا - وكذلك
حكم أصل أصله، ثم إن انتهى إلى أصل لا يتوقف على القياس
على أصل آخر فهو خلاف الغرض، وإن لم ينته وتسلسل الأمر امتنع
وجود قياس ما؛ وذلك لتوقفه على أصول لا نهاية لها.
الدليل الثاني: أنه معلوم أنه يتعذر إجراء القياس في كثير من
الأحكام كعدد الصلوات، وعدد ركعات كل صلاة، وعدد
الطواف، والسعي، وأكثر مناسك الحج وما شابه ذلك مما لم نتمكن
من عقل معناه، وإدراك علته، ومدار القياس على تعقل المعنى الذي
يعلل به الحكم في الأصل، وهذا لم ندرك علته.
الدليل الثالث: أنا بينا في هذا الفصل عدم جواز إجراء القياس
في العاديات والأمور الخلقية، والأسباب والشروط والموانع، وهذا
يبطل القول بإجراء القياس في كل الأحكام.