وهو مذهب أكثر الشافعية، والمالكية، وكثير من العلماء، وهو
الحق؛ لدليلين:
الدليل الأول: أن العام دليل ظاهر فيما اقتضاه من التعميم، ولم
يوجد له ما يصلح أن يكون معارضا له سوى فعل الصحابي وقوله،
وهو غير صالح لمعارضته؛ حيث إن فعله غير مستند إلى نص يدل
على أن المراد بذلك العام الخاص، بل يكون مستنداً إلى ما يظنه
دليلاً أقوى منه، فيحتمل أن يكون دليلاً، ويحتمل أن لا يكون
دليلاً، وبتقدير أن يكون دليلاً يحتمل أن يكون أقوى منه، ويحتمل
أن لا يكون، وهذه الاحتمالات متساوية، ولا مرجح؛ أما العام
فهو دليل لا يحتمل شيئاً، فيقدم غير المحتمل على المحتمل، وعليه:
فلا يقوى قول الصحابي ومذهبه على تخصيص العام.
الدليل الثانى: أن الواقع من الصحابة - رضي اللَّه عنهم - يشهد
بأن قول الصحابي لا يخصص العموم؛ حيث إنه كان الواحد منهم
إذا سمع العموم من الكتاب والسُّنَّة، فإنه يترك قوله ومذهبه من
أجل هذا العموم، وما نقل عن أحد منهم أنه خص عموما بقول
نفسه، فهذا يدل على أن قوله أضعف من عموم كلام الشارع.
فانظر مثلاً إلى ابن عمر، حيث ترك مذهبه لحديث رافع بن
خديج في المخابرة، فروي أن ابن عصر قال: كنا نخابر أربعين سنة
لا نرى بذلك بأساً حتى أخبرنا رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
نهى عن المخابرة، فإذا كان ابن عمر قد ترك قوله ومذهبه، وهو من فقهاء الصحابة فغيره أوْلى بالترك.
المذهب الثاني: أن قول الصحابي ومذهبه يخصص به العموم.
وهو مذهب الحنفية والحنابلة.