النوع الثاني: ما شرع من الأحكام ابتداء من غير أن يؤخذ ويقتطع
من أصول أُخر، وهي معقولة المعنى، لكنها عديمة النظير والمثيل.
أي: لا يكون له نظير خارج عما يتناوله الدليل الدال على تلك
الأحكام، فهذا لا يقاس عليها؛ نظراً لتعذر الفرع الذي هو ركن
من أركان القياس.
من أمثلته: رخصة المسح على الخفين؛ فإنه معلل بعسر نزعه في
كل وقت، وأن الحاجة ماسة إليه، ولكن لا يساويه في هذا المعنى
شيء مما يشبهه من بعض الوجوه كالعمامة والقفازين، فلذلك لم
يجز قياس شيء منها عليه، وهذا على مذهب من قال: لا يجوز
القياس على الرخص.
وكذلك رخصة القصر لعذر السفر، فمانه معلل بالمشقة المخصوصة
وهي غير حاصلة في حق غير المسافر، فإن الشقة مناسبة ظاهرة
لذلك الحكم، ولا يمكن تعليله بمطلق المشقة، وإلا لوجب ثبوت
القصر في حق المريض.
وكذلك مشروعية القسامة تجب على من لم يدع عليه ولي الدم
القتل، ولا تسقط بها عنهم الدية، ووجبت على عدد مخصوص،
وجعل الخيار إلى ولي الدم فيمن يحلف، وهذا لا يوجد في غيره.
وهذا غير خارج عن قاعدة القياس، لكن القياس هنا امتنع؛
لعدم وجود الفرع - كما سبق قوله -.
ولذلك لا يصح ما يقوله بعض الفقهاء: إن توقيت الإجارة خارج
عن قياس الأصول كالبيع والنكاح؛ لأنه ليس جعل أحدهما أصلاً
والآخر خارجاً عنه بأوْلى من العكس، بل كل واحد منها أصل
بنفسه لانظير له.