المذهب الثاني: أنه إذا تعارض دليلان عند المجتهد، ولم يترجح
أحدهما على الآخر عنده، فإنه يتخير بينهما، فإن شاء أخذ بهذا
الدليل، وإن شاء أخذ بالدليل الآخر، ولا يرجح أحدهما على
الآخر، ولا يجوز له التوقف.
وهو مذهب بعض الحنفية كالجرجاني، والجصاص، وبعض
المعتزلة كأبي علي وابنه، وبعض المالكية كأبي بكر الباقلاني.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن أمام المجتهد احتمالات خمسة باطلة إلا واحد،
وهي كما يلي:
الاحتمال الأول: إما أن يعمل المجتهد بالدليلين معا؛ المثبت
والنافي، وهذا محال؛ لأنه جمع بين متناقضين.
الاحتمال الثاني: وإما أن يسقط المجتهد الدليلين معا، فلا يعمل
بهما وهو باطل؛ لأنه يؤدي إل تعطيل دليلين قد ثبتا. -
الاحتمال الثالث: وإما أن يتوقف فلا يعمل بهما معا حتى يرد ما
يرجح أحدهما، وهو باطل؛ لأن التوقف إلى غير غاية فيه تعطيل
لدليلين قد ثبتا، ويمكن أن يكون الحكم في المسألة لا يقبل التأخير
بأي حال.
الاحتمال الرابع: وإما أن يرجح أحدهما فيعمل به، دون الآخر،
وهو باطل؛ لأنه تحكم، أي: هو تعيين بلا دليل، وليس أحدهما
بأوْلى من الآخر.
الاحتمال الخامس: وإما أن يتخير بينهما، فيختار ما شاء منهما
فيأخذه فيعمل به على طريقة الإباحة، وهذا هو الصحيح؛ وذلك