فالروايتان حكمان مختلفان وردا من مجتهد واحد في مسألة واحدة
فهما قولان متضادان، فالثاني منهما ترك للأول كالنصين الواردين من
صاحب الشرع.
فيفهم من نصه الأخير أنه رجع عن رأيه الأول؛ حيث إن المجتهد
إذا أفتى شخصا بجواز شيء، ثم عاد وأفتاه بتحريمه فالظاهر أنه
رجع عن الأول؛ لأن الحق عنده قي واحد.
المذهب الثاني: أن الرواية الأولى هي التي تكون مذهبا له إلا أن
يصرح بالرجوع عنها.
وهو مذهب بعض الشافعية، وبعض الحتابلة.
دليل هذا المذهب:
أن قول المجتهد في الرواية الأولى كان بالاجتهاد، وقوله في
الرواية الثانية كان بالاجتهاد، والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
ولهذا روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه لما جاءته مسألة فيها
أم، وزوج، وأخوة لأم، وأخوة أشقاء في عام لم يعط الإخوة
الأشقاء شيئاً، فلما جاءت نفس المسألة بعد سنوات، أعطى الإخوة
الأشقاء فقيل له: إنك في عام كذا وكذا لم تشرك الإخوة الأشقاء،
فقال: " فتلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما نقضي الآن "،
فلم يبطل عمر الاجتهاد الأول بالاجتهاد الثاني.
جوابه:
أن المجتهد إذا حكم في حق غيره ونفذ الحكم، ثم حكم بحكم
آخر بعد ذلك بنفس المسألة، فإنه لا يجوز له الرجوع إلى هذا الغير
ويبطل حكمه فيه؛ لأن نقض الاجتهاد بالاجتهاد هنا يفضي إلى أن