أما على المذهب الثالث فلا يترتب عليه شيء إلا أنه يجب عليه أن
يعمل باجتهاده، ويجب على مقلده أن يعمل على ذلك الاجتهاد.
المسألة الرابعة: هل يشترط في أهل الإجماع عدالة المجمعين؟
لقد اختلف في ذلك على مذاهب، من أهمها مذهبان:
المذهب الأول: أنه تشترط عدالة المجتهدين في الإجماع، فلا
يقبل قول المجتهد الفاسق في الإجماع مطلقاً، سواء كان فسقه من
جهة الاعتقاد، أو من جهة الفعل.
وهو مذهب كثير من العلماء، ونسبه بعضهم إلى الجمهور.
وهو الصحيح؛ للأدلة التالية:
الدليل الأول: قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أُمَّة وسطا) .
وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل هذه الأمة شهداء على الناس،
وحُجة عليهم فيما يشهدون به؛ لكونهم عدولاً، والوسط هو العدل
- كما تقدم -، فلما لم يكن الفاسق متصفا بهذه الصفة - وهي
العدالة - لم يجز أن يكون من الشهداء على الناس، فلا يعتد بقوله
في الإجماع، ولا في الشهادة، ولا في الرواية؛ وذلك لاتهامه في
الدليل الثاني: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) .
وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب التوقف في أخبار غير العدل،
واجتهاده إخبار بأن رأيه كذا، فوجب التوقف في قبوله، وإذا وجب
التوقف في قبول إخباره لم يحكم بقبول خبره.