القلب كما قاله مجاهد ولم يقل هو ولا غيره فيما علمنا بوجوب الذكر باللسان على الدوام فلزم أنه ذكر القلب وإذا ثبت فذكر القلب لله تعالى إما على جهة الإيمان به والتصديق بوجوده وصفاته وصفات كماله وأسمائه فهذا يجب استدامته ذكراً وحكماً في حال الغفلة لأنه لا ينفك عنه إلاَّ بنقيضه وهو كفر، وأما ما ليس راجعاً إلى الإيمان وهو ذكر الله عند الأخذ في الأفعال فيجب على كل مكلف ألا يقدم على فعل حتى يعرف حكم الله فيه لإمكان أن يكون الشرع منع منه ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول على سبيل الدوام فذكر الله واجب كذلك ولذا قال بعض السلف اذكر الله عند همك إذا هممت وحكمك إذا حكمت وقسمك إذا قسمت وما عدا هذين الذكرين لا يجب استدامته ولا كثرته والله أعلم اهـ. وما ذكر من كون الذكر اللساني لا يجب على الدوام مسلم لكن كون الحديث مثل الآية في كونه مأمورًا به فيقتضي الوجوب فيه نظر ظاهر والأقرب ما سلكناه من أنه نظير قوله تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}[الأحزاب: ٣٥] الآية في الثناء على أرباب الكمال بالقيام بمحاسن الصفات والأفعال ولا شبهة في شرف من حاز ذلك المقام والذكر شامل للسان والجنان بسائر الأقسام وقد جعله كذلك في الحرز الثمين على أن في اقتضاء الآية وجوب الذكر ما لا يخفى فمن ثم لم يذكره مشاهير المفسرين حتى تلميذه القرطبي في تفسيره الكبير بل قال في تفسير الآية أمر الله عباده بأن يذكروه ويشكروه ويكثروا من ذلك على ما أنعم به وجعل ذلك عند جد ليسهل على العبد ويعظم الأجر فيه اهـ. والذكر بالمعنى المذكور مندوب فالظاهر أن التأكيد بالاهتمام بشأن المأمور به والحض على فعله والإكثار منه والله أعلم على أن ابن حجر اعترض في شرح المشكاة حمل الذكر الكثير في الآية على القلبي بأنه لا ثواب فيه من حيث الذكر وإن ثبت من جهة أخرى كما سبق