وقعدنا حوله ومعه مخصرة"، فنكس، وجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما مِنكُمْ مِنْ أحَدٍ إلا قد كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ ومَقْعَدُهُ مِنَ الجنَّةِ، فقالوا: يا رسول الله أفلا نَتَّكِلُ على كتابنا؟ فقال: اعْمَلوا فَكُل مُيَسرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ... " وذكر تمام الحديث.
وروينا في "صحيح مسلم" عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما ينحر
ــ
بقيع الغرقد كان به شجر الغرقد قال الهروي هي من العضاة وقال ابن فارس العضاة من شجر السواك كالطاغ والعوسج اهـ. قوله:(ومعَهُ مِخصرَةٌ) هو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الصاد والراء المهملتين وهو كما في النهاية ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب وقد يتكئ عليه. قوله:(ينكثُ) وفي نسخة ينكث في الأرض في الصحاح ينكت في الأرض بقضيب أي يضرب ليؤثر فيها وفي النهاية ينكت الأرض بقضيب هو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهموم اهـ. قوله:(منْ أَحَدٍ) وفي رواية من نفس. قوله:(مقعدُه) وفي رواية منزله. قوله:(فكل مُيَسَّر لمَا خلِقَ لهُ) قال شارح الأنوار السنية قال ابن الجوزي الميسر للشيء المهيأ له المصرف فيه والتيسير التسهيل للفعل وإنما أراد أن يكونوا في عملهم الظاهر خائفين مما سبق به القضاء فيحسن السير بين العمل وقائد الخوف وقال القاضي يعني إذا سبق القضاء لمكان كل نفس من الدارين وما سبق به القضاء لا بد من وقوعه فأي فائدة في العمل فيدعه قال المازري هذا الذي انقدح في نفس الرجل من عدم فائدة العمل هو الذي لاحظه المعتزلة في التشنيع علينا في مسألة خلق الأعمال. قالوا إذا كانت المعصية من قبل الله وقضائه فكيف يعذب العبد عليها وإذا كانت الطاعة بفعله تعالى فكيف تطلب من العبد وأي فائدة في التكليف بفعل الغير والإنسان عندنا مكتسب بفعله غير مجبور عليه وقال القرطبي الذي انقدح في نفس هذا الرجل هو شبه النافين للقدر وأجابه - صلى الله عليه وسلم - بما لم يبق معه إشكال وتقرير جوابه عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى غيب عنا المقادير وجعل الأعمال دلت على ما سبقت به مشيئته من ذلك العمل فأمرنا بالعمل فلا بد من امتثال أمره تعالى