فأثْنَوا عليها شرًّا فقال:"وَجَبَتْ"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال:"هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لهُ الجنَّةُ، وهَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنْتُمْ شُهَدَاءُ الله في الأرضِ".
وروينا في "صحيح
ــ
وأخرجه البزار مختصرًا واستغربه ورجاله ثقات لكن في حرب مقال وإنما أخرج له مسلم في المتابعات اهـ. قوله:(فأثْنوا عَليْها شَرًّا) الثناء في الشر مجاز وقيل وعليه بعض المحققين بل حقيقة وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك مع نهيه عن سب الأموات لأن النهي في غير كافر ومنافق ومتجاهر بفسقه فالجنازة التي أثنوا عليها شرًّا يحتمل أن يكون واحدًا من هذه الثلاثة وفي مسند أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على التي أثنوا عليها شرًّا وصلى على الأخرى. قوله:(مَا وَجبتْ) أي ما معناه. قوله:(فَقَال هَذَا أَثنيُتم عَليهِ الخ) أي فقال معناه أي معنى وجبت ما تضمنه قولنا هذا أثنيتم عليه خيرًا. قوله:(أَنتُمْ شهَداءُ الله في الأَرضِ) يحتمل أن يكون المراد من أنتم أيها الصحابة ويحتمل أن يكون المراد منه مطلق المؤمنين ويؤيد الثاني رواية المؤمنون شهداء الله في الأرض أوردها في المشكاة أي فإذا جرى على ألسنتكم ثناء بخير أو شر كان مطابقا لما عند الله أي باعتبار الغالب إن الله تعالى ينطق الألسنة في حق كل إنسان بما يعلمه التي لا يطلع عليها غيره ولا يظهر عليه من الأعمال الصالحة وغيرها فكأنه - صلى الله عليه وسلم - علم من هذا في حق هذين القطع لهما بالجنة أو النار أو أعلمه الله تعالى أنهما في باطن الأمر عنده على طبق ثناء النّاس عليهما فعلم إنه ليس المراد من خلق للجنة يصير للنار بقولهم ولا عكسه بل قد يقع الثناء بالخير أو الشر وفي الباطن خلافه إنما المراد أن الثناء علامة مطابقة وعلة دالة على ما في الواقع غالبًا كما أنبأ عن ذلك ترتيبه وجبت على الثناء المشعر بأن الثناء عليه لذلك ولهذا أشار إلى تشريف المثنين بقوله أنتم شهداء الله في أرضه أي شهداؤه الصادقون في ثنائهم لكونه يجرى على ألسنتهم ليطابق ما عنده تعالى غالبًا ففيه غاية التزكية منه - صلى الله عليه وسلم - لأمته بأن الله تعالى ما أنطقهم إلا ليصدقهم غالبًا في ثنائهم الواقع كالدعاء والشفاعة بوعده الحق الذي لا يخلف والعادة المنزلين منزلة الواجب الوقوع فلذا رتب على الثناء الوجوب بالمعنى المذكور لأنه تعالى لا يجب عليه شيء بعمل ولا بشهادة ولا بغيرهما تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا كذا في فتح الإله. قوله: (وَرَويْنَا في صَحيح