للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا كَذِبْ، أنا ابْنُ عَبْدِ المُطلِبْ" وفي رواية "فنزل ودعا

ــ

(إلا كذب) ليفيد نفي الكذب عنه لا نفي حصر الكذب فيه أي أنا النبي حقًّا لا أفر ولا أزول وصفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال: أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم بل أنا متيقن أن ما وعدني الله تعالى به من النصر حق ومن الشاذ فتح باء كذب وكسر باء المطلب فرارًا من كونه شعرًا وقد فر قائله من إشكال هين يسير فوقع في إشكال عسير وهو نسبة اللحن إلى أفصح العرب وذلك أنهم لا يقفون على المتحرك ولا يبتدئون بساكن والوقوف على المتحرك بحركته لحن كما حكى عليه الإجماع وهو - صلى الله عليه وسلم - أفصحهم والفصيح لا يلحن بالأفصح وما وقع في بعض الأخبار فمن تحريف الرواة وفيه دليل على قوة شجاعته حيث فر صحبه وبقي وحده أو في شرذمة ومع ذلك يقول: هذا القول بين أعدائه. قوله: (أنا ابن عبد المطلب) نسب لجده دون أبيه لأن انتسابه إليه أشهر لأن أباه مات شابًّا فرباه عبد المطلب وكان سيد قريش ولأنه لما استفاض بينهم أنه سيكون من بني عبد المطلب من يسود ويغنب على الأعداء ورأى قوم منهم قبل ميلاده ما قد كان علمًا على نبوته ودليلًا على ظهور معجزته وأظهر ذلك الكهنة حتى شهد به غير واحد منهم ذكرهم بأنه ابن عبد المطلب الذي ذكر فيه ما ذكر، لا للمفاخرة والمباهاة كيف وقد نهى

أن يفتخر النّاس بآبائهم ويفتخر بمن ذكر كلا، ولا للعصبية كيف وقد ذمها في غير موضع، وزعم أنه نسب لجده لأنه مقتضى الرجز في حيز المنع إذ لا يليق بذلك الجناب الأفخم أن يتعانى الرجز ويقصده وفيه دليل على جواز قول الإنسان في مواقف الحرب أنا ابن فلان ولذا ساقه المصنف في الباب السابق ومحل النهي عنه إذا كان على وجه الاستكبار وطريق الافتخار وعلى جواز إنشاء الرجز وإنشاده للشعر لكنه بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - محمول على أنه لم يقصد وزنه فينتفي كونه شعرًا إذ يحرم عليه - صلى الله عليه وسلم - إنشاء الشعر وكذا إنشاده كما قاله الماوردي وبانتفاء القصد يخرج عن كونه شعرًا. قوله: (وفي رواية فنزل) أي عن بغلته ونزوله عن بغلته إلى الأرض في ذلك الموطن دليل كمال ثباته - صلى الله عليه وسلم - وفيه تنبيه على أن طريق الرفعة التواضع الله والانخفاض لعظمته وفي صحيح مسلم ومن تواضع الله رفعه الله

<<  <  ج: ص:  >  >>