ما ذكرناه وأن حياة الشهداء محققة ثم منهم من يقول ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون كما تحيا الكفار في قبورهم فيعذبون وقال مجاهد يرزقون من ثمر الجنة أي يجدون ريحها وليسوا فيها وصار قوم إلى أن هذا مجاز والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة وهو كما يقال: مات فلان وهو حي أي ذكره حي قال الشاعر:
موت التقي حياة لا فناء بها ... قد مات قوم في الناس أحياء
فالمعنى أنهم يرزقون الثناء الجميل وقال آخرون: أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم في الجنة يرزقون ويأكلون ويتنعمون وهذا هو الصحيح من الأقوال لأن ما صح به النقل فهو الواقع وحديث ابن عباس نص يرفع الخلاف وكذا حديث ابن مسعود في مسلم وأما من تأول في الشهداء أنهم أحياء بمعنى أنهم سيحيون فبعيد يرده القرآن والسنة وأن قوله تعالى أحياء دليل على حياتهم وأنهم يرزقون ولا يرزق إلا حي انتهى مع يسير اختصار وقد سبق لهذا المعنى بسط في باب ما يقول الرجل إذا دخل منزله. قوله:(يرزقون) أي من الرزق المعروف في العادات فيرزقون من الجنة كما قيل به وعليه اقتصر البيضاوي قال وهو تأكيد لقوله أحياء وقيل: وحياة الذكر بعد موته قال: يرزقون حسن الثناء الجميل والأول كما قال القرطبي الحقيقة وقد قيل إن الأرواح تدرك في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترزق وتنتعش به أما الذات الجسمانية فإذا أعيدت الأرواح إلى أشباحها استوفت من النعيم جميع ما أعد لها قال القرطبي وهذا حسن وإن كان فيه نوع من المجاز فهو موافق لما اخترناه والله الموفق وجملة يرزقون في محل الصفة لقوله أحياء. وقوله (فرحين) نصب على أنه حال من الضمير في قوله يرزقون وهو من الفرح بمعنى السرور والقصد من هذه الآية هو النعيم وقرئ فارحين بالألف وهما لغتان كالفره والفاره قال ابن النحاس ويجوز في غير القرآن رفعه فيكون نعتًا لأحياء وقوله (بما آتاهم الله) متعلق بفرحين ومن فضله في محل الحال والذي أعطوه شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله سبحانه والتمتع بنعيم الجنة إما بالأرواح كما هو الراجح عند المصنف أو بالأشباح