والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه، لأنه يتنكَّد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل. وأما الملبِّي في الإحرام فيكره أن يسلَّم عليه، لأنه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه رد السلام باللفظ، نص عليه الشافعي وأصحابنا رحمَهم الله.
فصل: تقدَّمت الأحوال التي يكره فيها السلام، وذكرنا أنه لا يستحق فيها جواباً، فلو أراد المسلَّم عليه أن يتبرع برد السلام، هل يشرع له، أو يستحب؟ فيه تفصيل، فأما المشتغل بالبول ونحوه، فيكره له رد السلام، وقد قدَّمنا هذا في أول الكتاب، وأما الآكل ونحوه
ــ
القارئ لأنه مأمور بالتوجه شرعاً وقد جرى ابن حجر الهيتمي في تحفته على ما أومأ إليه كلامه من اعتبار عدم الاستغراق في القراءة وعدم التنكد بذلك حيث قال رجح المصنف ندبه على القارئ وإن اشتغل بالتدبر ووجوب الرد عليه ويتجه أخذاً مما مر أنه في متدبر لم يستغرق في التدبر قلبه وإلا فإن شق عليه لم يسن ابتداء ولا جواب له لأنه الآن بمنزلة غير المميز بل ينبغي فيما لو استغرقه هم كذلك أن يكون حكمه ذلك اهـ. قوله:(والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه) أي فلا يجب عليه الرد وقد ورد من شغل متوجهاً إلى الله تعالى أدركه المقت في الوقت. قوله:(وأما الملبي في الإحرام) افهم التقييد أنه لا يكره السلام عليه فيها في غير الإحرام وهو كذلك لعدم مشروعيتها. قوله:(رد باللفظ) أي استحباباً وتأخيره إلى فراغها أحب كما في المؤذن ويفرق بين عدم وجوب الرد عليهما وبين وجوبه على القارئ بأنه مفوت لشعارهما بخلافه وبين الندب في التلبية وعدمه للمؤذن بأنه قد يخل بالإعلام المؤدي إلى لبس بخلافه فيها.
أخرج الشافعي بسنده أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فرد عليه وفيه أنه أخبره أنه إن عاد إلى مثل ذلك لا يرد عليه فهذا بيان للجواز وسبق