وروينا في "صحيحيهما" في حديث أبي موسى لما جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- على بئر البستان وجاء أبو بكر فاستأذن، فقال: مَنْ؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال: مَنْ: قال عمر، ثم عثمان كذلك.
وروينا في "صحيحيهما" أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فدققت الباب، فقال: مَنْ ذَا؟ فقلت: أنا، فقال: أنَا أنَا؟ كأنه كرهها".
ــ
العلوي والسفلي فلو كانت الكنية أرفع من الاسم لأخبر بكنيته. قوله:(لما جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- على البئر) أي بئر أريس بوزن جليس بئر بقباء وكان أبو موسى حافظ الباب في ذلك الوقت كما في الصحيح فلما جاء كل من الثلاثة استأذن لهم فأذن لهم والشاهد من الاستدلال أن كلاً منهم لما استأذن فقيل له: من هذا ذكر اسمه بالصريح. قوله:(وروينا في صحيحيهما عن جابر الخ) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومداره على شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أشار إليه العلائي في عوالي مالك قال المصنف قال العلماء: إذا استأذن فقيل له: من أنت؟ أو من هذا؟ كره أن يقول: أنا قال في التوشيح وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه من حديث بريدة قال: جئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من هذا فقلت: أنا بريدة اهـ. قال في المرقاة: نعم إذا كان من أهل البيت من يعرفه بصوته فلا بأس بقوله: أنا على ما هو المتعارف إذ لا شك أنه -صلى الله عليه وسلم- لو عرفه لما أنكر عليه لحصول المقصود به أو كرهه لأن فيه تعظيماً فلم ير -صلى الله عليه وسلم- التكلم بلفظ ليس فيه تواضع اهـ. وفيه أنه لو قال: أنا جابر لم يكن يكرهها اهـ.
كلام المرقاة وفي شرح المصابيح لزين العرب ذهبت طائفة من أهل العلم وفرقة من الصوفية إلى كراهة إخبار الإنسان عن نفسه بقوله: أنا واستدلوا بحديث جابر وما ذهبوا إليه ضعيف إذ القرآن والأحاديث الصحيحة مشحونة بذلك قال تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أنا سيد ولد آدم وكراهته -صلى الله عليه وسلم- لذلك الذي في حديث جابر لم يكن من جهة أنها تتضمن التكبر بل أنه أخبر عن نفسه بما لا يرتفع به الإيهام وأنكر عليه دق الباب لأنه مما لا يليق بالأدب وفي الأخير بعد لأن ظاهر قوله: أنا أنا كراهته لهذا اللفظ وفي الحديث