روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث الإسراء المشهور، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثمّ صَعِدَ بِي جِبْرِيلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قالَ: جِبْرِيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَدٌ، ثم صَعِدَ بِي إلى السَّماءِ الثانِيَةِ وَالثالِثَةِ وَسَائِرِهِنَّ، وَيُقَالُ في باب كُل سمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ:
ــ
يكره لفظ أنا لأن فيها نوعاً من الكبر كأنه يقول أنا الذي لا أحتاج أن أذكر اسمي ولا نسبي اهـ. قوله:(وروينا في صحيحي البخاري ومسلم في قصة الإسراء المعروفة) المراد من الإسراء ما يشمل المعراج لأن ما ذكر من الاستئذان في فتح أبواب السماء إنما هو في قصة المعراج وقصة الإسراء كذلك مروية عند الشيخين والترمذي والحاكم والبيهقي والبزار وغيرهم وكانت قصة المعراج قبل الهجرة بنحو
ثمانية عشر شهراً وقيل غير ذلك. قوله:(فاستفتح جبريل) الأشبه كما قال الحافظ ابن حجر إن هذا الاستفتاح كان بقرع لأن صوته معروفة ويؤيده كما قال بعضهم ما في بعض الروايات فقرع الباب قال ابن دحية في استفتاح جبريل لأبواب السماء دليل على أنه صادف أبوابها مغلقة وإنما لم يتهيأ للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح قبل مجيئه وإن كان أبلغ في الإكرام لأنه لو رآها مفتحة لظن أنها لا تزال كذلك ففعل ذلك ليعلم أن ذلك الفتح فعل من أجله تشريفاً له وأيضاً فأراد الله أن يطلعه على أنه معروفة عند أهل السموات ولذا لما سألوا من معك فقال محمد: لم يقولوا ومن محمد وإنما سألوا عن البعث إليه أجاء زمانه. قوله:(قال جبريل) سمى نفسه لأنه كان معروفاً ولم يعرف من الملائكة من اسمه جبريل سواه ولم يقل: أنا لئلا يلتبس بغيره ولأن فيها إشعاراً بالعظمة وفي الكلام السائر أول من قال: أنا إبليس فشقي حيث قال: أنا خير منه وقالها فرعون فتعس حيث قال: أنا ربكم الأعلى وسيأتي فيه مزيد.
قوله:(قيل ومن معك) هذا القول يشعر بأنهم أحسوا أن مع جبريل غيره قيل وإلا لكان السؤال: أمعك أحد؟ وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة وإما لأمر معنوي بزيادة أنوار. قوله:(قال محمد) في إتيان جبريل باسمه - صلى الله عليه وسلم - دون كنيته دليل على أن الاسم أرفع منها لأنه أخبر باسمه ولم يخبر بكنيته وهو -صلى الله عليه وسلم- مشهور في العالمين