إلا أن يجازف المادح ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحاً، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة ولم يجرَّ إلى مفسدة بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك. وأما المدح في وجه الممدوح فقد جاءت فيه أحاديث تقتضي إباحته أو استحبابة، وأحاديث تقتضي المنع منه.
قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان، وحسن يقين، ورياضة
ــ
بحيث يقال ذكر بين يديه وهل مثله فيما يأتي مدحه في غيبته عند من يتحقق تبليغه له ذلك أولاً والأول أقرب نظراً للمعنى ثم رأيت قوله ولم يجر إلى مفسدة بأن يبلغ الممدوح الخ مصرحاً بما ذكرته فلله الحمد. قوله:(إلا أن يجازف المادح) الجزاف والجزاف المجهول مكيلاً كان أو موزوناً ومنه حديث لا تبتاعوا الطعام جزافاً هذا معناه بحسب اللغة والمراد منه هنا مجازفة القدر اللائق بجناب الممدوح من المدح بغلو أو كذب. قوله:(إذا ترتبت عليه مصلحة) بأن ينشط السامعين ذكر ذلك للإقبال على التحلي بما يتحلى به من الكمال وقال شيخ الإسلام زكريا في تحفة القاريء على صحيح البخاري في باب من أثنى على أخيه بما يعلم من غير مبالغة، في أثناء الكلام على قوله -صلى الله عليه وسلم- للصديق لما ذكر استرخاء إزاره لست منهم أي ممن يجره خيلاء: فيه جواز مدح الإنسان بما فيه من الفضل على وجه الإعلام ليقتدي به فيه اهـ. أو للتخلي عما كانوا فيه من سوء الأحوال والأفعال ومن ثم ذكر أصحابنا أنه لو ترتب على المدح مفسدة امتنع كأن ذكر ما ظهر من صورة محاسن ذي بدعة لئلا يؤدي ذكرها إلى ترويج بدعته والتدنس بسوء رزيته.
قوله:(تقتضي إباحته) بأن لم يترتب على عدم ذكر الوصف الممدوح به مخل بكمال. قوله:(أو استحبابه) أي كما إذا ترتب عليه ذلك. قوله:(وأحاديث تقتضي المنع منه) أي على سبيل التحريم إن تحقق أو ظن ترتب المفسدة المذكورة في كلامه على المدح أو على سبيل التنزيه إن توهم ذلك أو شك فيه. قوله:(كمال إيمان الخ) أي ليمنعه ذلك