"لَوْ راجَعْتِيهِ؟ " قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال:"إنما أشْفَعُ"، قالت: لا حاجةَ لي فيه".
ــ
لبريرة (لو راجعتيه) بإثبات الياء بعد ضمير المخاطبة تولدت من إشباع الكسرة قال ابن النحوي في شرح البخاري في الحديث استشفاع الإِمام والعالم والخليفة في الحوائج
والرغبة إلى أهلها في الإسعاف لسائلها وإن ذلك من مكارم الأخلاق، وفيه أن الساعي في ذلك مأجور وإن لم تنقض الحاجة، وفيه أنه لا حرج على الإِمام والحاكم إذا ثبت الحق على أحد الخصمين عنده وسأله من ثبت عليه الحق في الشفاعة إلى صاحب الحق في إسقاط حق أو تأخير أو وضع فيشفع في ذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- شفع إلى بريرة فقال لها: "لو راجعتيه بعد إعلامه إياها" بما لها من الخيار بين القرار معه والفسخ، وفيه أن من سئل من الأمور ما هو غير واجب فعله فله رد سائله وترك قضاء حاجته وإن كان الشفيع سلطاناً أو عالماً أو شريفاً لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على بريرة ردها إياه فيما شفع فيه وليس أحد من الخلق أعلى رتبة منه - صلى الله عليه وسلم - فغيره من الخلق أحرى أن لا يكون منكراً رده فيما يشفع فيه، وفيه أنه لا حرج على المسلم في حبه امرأة مسلمة سواء ظهر ذلك أو خفي فلا إثم عليه وإن أفرط فيه ولم يأت محرماً فإن مغيثاً كان يتبع بريرة بعد أن بانت منه في سكك المدينة مبدياً لها ما يجده في نفسه من فرط الهوى وشدة الحب وكان ذلك بعد بينونتها منه كما يدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو راجعتيه" وإذا كان كذلك فغير ملوم من ظهر منه محبة امرأة يحل تزوجها سواء تزوجها بعد أم لا ما لم يغش مأثماً ويأت محرماً اهـ، ما يؤخذ من كلام ابن النحوي بتلخيص، وفي كشف الأسرار لابن العماد الأفقهسي استصعب النّاس قول بريرة أتأمر رسول الله أم تشفع فقال: بل أشفع قالت: لا حاجة لي فيه وقالوا: كيف يظن بهذه الصحابية أنها لم تقبل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - وقالت: لا حاجة لي فيه مع شفاعته عندها فيه قال: والجواب الصحيح في ذلك موقوف على معرفة الفرق بين الأمر والسؤال والشفاعة وقد فرق اليماني في شرح اللمع بينهما فقال الطلب: إن كان من الأعلى للأدنى فأمر وإن كان من الأدنى للأعلى لمن هو دونه سمي الطالب شافعاً