للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضرُّ بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكَّن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرُّون في الغيبة ونحوها، وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ

ــ

أي يشغل المغتاب عن الغيبة فينتفي المحرم فهي قائمة مقام الإنكار عند عدم القدرة عليه كما يشعر به عبارة المصنف هنا وكلام الزواجر يقتضي أنه من أنواع الإنكار وإنه يكتفي به مع القدرة على صريح الإنكار باللسان وكلام المصنف أقعد لأن في الإنكار إعلاماً بأنها من المنكر الذي يتعين إنكاره على من يقدر عليه بخلاف قطعها بالخوض في كلام آخر فإنه محتمل لذلك ولغيره والله أعلم. قوله: (الاستماع) أي قصد سماعها لإسماعها أي وصولها لسمعه من غير توجه. قوله: (ليشتغل عن استماعها) أي فإن القلب ليس له إلا وجهة واحدة فإذا اشتغل بأمر منعه اشتغاله به من غيره قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}. قوله: (وإصغاء) في مفردات الراغب أصغيت إلى فلان ملت بسمعي نحوه اهـ، فالعطف للتفسير والبيان. قوله: (فإن تمكن بعد ذلك) أي ما ذكر من الأعراض والتفكر في أمر آخر، وتمكنه منها بأن زال من المجلس من كان يخشى منه لو فارق

المجلس بحضوره. قوله: (قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}) هذا خطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويدخل فيه المؤمنون لأن علة النهي وهو سماع الخوض في آيات الله تشمله وإياهم ورأيت هنا بصرية ولذا تعدت إلى واحد ولا بد من تقدير حال محذوفة أي وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا وهم خائضون فيها والخوض أصله في الماء شبه تنقلهم في آيات الله بالخوض في الماء، وتنقلهم قولهم في الآيات هذا سحر هذا افتراء هذا أساطير الأولين. قوله: (فأعرض عنهم) أمر له عليه الصلاة والسلام بالإعراض

<<  <  ج: ص:  >  >>