وقد قدَّمنا في "باب الوسوسة" في الحديث الصحيح أنهم قالوا: "يا رسول الله يجد أحدنا ما يتعاظم أن يتكلّم به، قال: ذلكَ صَريحُ الإيمانِ" وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه. وسبب العفو ما ذكرناه من تعذُّر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراماً ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له على ظاهره.
قال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء": إذا وقع في قلبك ظن السوء، فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذِّبه فإنه أفسق الفسَّاق، وقد قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ
ــ
على ذلك. قوله:(ولا شيء عليه) أي من الإثم. قوله:(ذلك) أي تعاظم الكلام فيه وكراهة ذلك الخاطر وذكره (صريح الإيمان). قوله:(من تعذر اجتنابه) لأنه ليس من عمل الإنسان ولا كسبه. قوله:(وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه) أي على نحو الخاطر بأن يشتغل قلبه عن ذلك بشيء آخر وأحسن ما يشغله به ذكر الله فإن ذلك الخاطر إذا كان من الشيطان ذهب وانقطع لذهاب الشيطان لأنه يخنس عن المؤمن عند ذكر الله عز وجل وإن كان من النفس انقلب بأكسير الذكر نحاسها ذهباً. قوله:(وغيرها من المعاصي) أي من الحسد أو احتقار المسلم أو بغضه وإرادة السوء به أو نحوها من معاصي القلب. قوله:(إذا وقع في قلبك ظن السوء) أي بإنسان محترم (فهو من وسوسة الشيطان) أي من الأمور المحرمة التي يوسوس بها للناس وإنما حرم ظن السوء لأن نيات القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشفت لك بعبارة لا تحتمل التأويل فعند ذلك لا يمكنك أن لا تعتقد كما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك وتسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك فهو من وسوسة الشيطان يلقيها بين أهل الإيمان لتحصل البغضاء والشنآن. قوله:(إن جاءكم فاسق) أي والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وإنما