خيفةً من اشتغالك بالدعاءِ له، ومهما عرَفْتَ هفوةَ مسلم بحجةٍ لا شكَّ فيها، فانصحة في السرِّ، ولا يخدعنَّكَ الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه، وإذا وعظتَه فلا تعِظْه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه فينظر إليك بعين التعظيم وتنظر إليه بالاستصغار، ولكن اقصد تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخلك نقص، وينبغي أن يكون تَرْكُهُ لذلك النقص بغير وعظك أحبَّ إليك من تركه بوعظك، هذا كلام الغزالي.
قلت: قد ذكرنا أنه يجب عليه إذا عرض له خاطر بسوءِ الظنِّ أن يقطعه، وهذا إذا لم تدع إلى الفكر في ذلك مصلحة
ــ
وإكرامك أخاك كيد الشيطان عنك أي عن وقوعك في الغيبة في القلب فلا يلقى إليك مثله أي من مساوي إنسان آخر لأنه يعلم من ديدنك أنه إن ذكر لك إنساناً دعوت له فيثاب وهذا خلاف غرضه من ذكره وهو وقوعك في هوة عرض أخيك فتهلك. قوله:(هفوة مسلم) أي زلته. قوله:(بحجة لا شك فيها) أي من رؤيته بعينه أو سماعه بأذنه أو بينة عادلة وفي الزواجر تأمل خبر إن الله حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به السوء فعلم منه أنه لا يسوغ لك ظن السوء به إلا ما يسوغ لك أخذ ماله من تيقن مشاهدة أو بينة عادلة وإلا فبالغ في دفع الظن عنك ما أمكنك. قوله:(فانصحه في السر) أي لأنه أدعى للمقصود من قبوله وعوده إلى الصواب ومن كلام إمامنا الشافعي: "من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه جهراً فقد فضحه وشانه". قوله:(لا يخدعنك الشيطان) أي ينبغي أن يكون اطلاعك على هفوة أخيك سبباً لخيرك من الأمر بالمعروف وخير أخيك من إنقاذه من هوة المخالفة ولا يخدعنك الشيطان فيصيرها سبباً لهلاكك يوقعك في غيبة أخيك المؤمن. قوله:(ولكن اقصد تخليصه وأنت حزين) لتجمع بين أجر الوعظ وأجر الهم والإعانة له على دينه. قوله:(وينبغي أن يكون الخ) هذه علامة لكون قصد الإنسان مجرد الوعظ وإعانة أخيه على دينه أنه لو وعظه غيره وعاد عن النقص لكان أحب إليه وإنما كان أحب إليه خشية أن يداخله عند حصول ذلك نوع من الإعجاب، والسلامة غنيمة.