في كتابه "صناعة الكتَّاب" كره بعض العلماء قولهم: أطال الله بقاءك، ورخص فيه بعضهم. قال إسماعيل بن إسحاق: أول من كتب "أطال الله بقاءك" الزنادقة. وروي عن حماد بن سلمة رضي الله عنه أن مكاتبة المسلمين كانت: من فلان إلى فلان: أما بعد، سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد وعلى آل محمد، ثم أحدثت الزنادقة هذه المكاتبات التي أولها: أطال الله بقاءك.
فصل: المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره: فداك أبي وأمي، أو جعلني الله فداك، وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في "الصحيحين" وغيرهما، وسواء كان الأبوان مسلمَين أو كافِرَين، وكره ذلك بعض العلماء إذا كانا مسلمَين. قال النحاس: وكره مالك بن أنس: جعلني الله فداك، وأجازه بعضهم. قال القاضي عياض: ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك، سواء كان المفدَّى به مسلماً أو كافراً.
قلت: وقد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى، وقد نبَّهتُ على جمل منها في "شرح صحيح مسلم".
فصل: ومما يذمُّ من الألفاظ: المِرَاءُ، والجِدال، والخُصومة. قال
ــ
واختار أن الدعاء بذلك لأهل الدين والعلم وولاة العدل قربة ولغيرهم مكروه بل حرام.
قوله:(المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره فداك أبي وأمي) وقد تقدم في ترجمة سعد بن أبي وقاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له وقال للزبير أيضاً فداك أبي وأمي ولا يحصى تقريره الصحابة على قولهم ذلك له -صلى الله عليه وسلم-. قوله:(وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين) أي لأنه ليس القصد به ظاهره وحقيقته بل التواد والملاطفة مع المخاطب. قوله:(من الأحاديث الصحيحة) بيان لما في قوله ما لا يحصى.