للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِمام أبو حامد الغزالي: المِراء: طَعْنُكَ في كلام الغير لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله، وإظهار مزيتك عليه، قال: وأما الجِدال، فعبارةٌ عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها، قال: وأما الخصومة، فَلَجاج في الكلام ليستوفيَ به مقصودَه من مال أو غيره، وتارة يكون ابتداءً، وتارة يكون اعتراضاً، والمراء لا يكون إلا اعتراضاً، هذا كلام الغزالي.

واعلم أن الجدال قد يكون بحق وقد يكون بباطل، قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦] وقال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] وقال تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: ٤] فإن كان الجدال الوقوف على الحق وتقريره كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحقِّ، أو

ــ

(لإظهار خلل فيه) علة للطعن وكذا قوله لغير غرض. قوله: (تحقير قائله) أي بإظهار الخلل في كلامه. قوله: (مزيتك) بفتح الميم وكسر الزاي وتشديد التحتية أي ارتفاعك عليه. قوله: (وأما الجدال الخ) فهو أخص من المراء وفي التهذيب الجدل والجدال والمجادلة مقابلة الحجة بالحجة قال وأصله الخصومة الشديدة سمي جدلاً لأن كل واحد يحكم خصومته وحجته إحكاماً بليغاً على قدر طاقته تشبيهاً بجدل الحيل وهو إحكام فتله. قوله: (واعلم أن الجدال قد يكون بحق) أي في يكون قصده إقامة الحق وإظهاره لا تحقير غيره وحينئذٍ فإطلاق الجدال عليه مجاز لأنه صورته. قوله: (وقد يكون بباطل) بأن يكون قصده تحقير غيره أو إقامة باطل. قوله: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ

الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي من الملاطفة في الدعاء إلى الله والتنبيه على آياته. قوله: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}. قوله: (فإن كان الجدال للوقوف على الحق الخ) وعليه ينزل ما جاء من مدح الجدال وعلامة ذلك أن لا يغضب من ظهور الحق على لسان خصمه ولذا قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه ما ناظرت أحداً

<<  <  ج: ص:  >  >>