غير لَدَدٍ وإسرافٍ وزيادة لجَاج على الحاجة، من غير قصد عناد ولا إيذاءٍ، ففعله هذا ليس حراماً، ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً، لأن ضبط اللسان في الخصومة على حدِّ الاعتدال متعذِّر، والخصومة تُوغِر الصدور، وتهيِّج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحِقد بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءَة الآخر، ويحزن بمسرَّته، ويطلق اللسان في عرضه، فمن خاصم فقد تعرَّض لهذه الآفات، وأقلُّ ما فيه اشتغال القلب حتى أنه يكون
ــ
وزيادة لجاج على الحاجة من غير قصد عناد ولا إيذاء) أي غير محتاج إليه وإلا كإرسال رسول القاضي ليحضره لا حرج فيه وإن تأذى به (ففعله ليس حراماً)، أفهم
أنه متى وجد شيء مما نفاه حرمت الخصومة أما حرمتها في نصرة حجته بغير طريق الشرع فواضحة جلية وأما حرمتها فيما إذا نصرها بالشرع لكن مع إلداد وإسراف أو عناد أو زيادة لجاج على قدر الحاجة للإيذاء. وقوله:(لغير حاجة) ظاهره يجوز اللجاج للحاجة وكذا ما قبله لكن إن أدى اللدد وما بعده إلى نحو كذب أو تمويه باطل ضمه لحجته حرم ذكره ابن حجر في تنبيه الأخيار ثم قوله: "ففعله ليس حراماً" صريح في تحريم ما قبله من المراء والجدال بغير الحق وتحريم الخصومة إذا وجد فيها شيء مما نفاه، وقد وقع للجلال السيوطي في أذكار الأذكار أنه أطلق القول بكراهة المراء والجدال والخصومة ولم يقيدها بما ذكره المصنف وتعقبه ابن حجر بقوله كيف ساغ له الجزم بكراهة المراء مع تفسيره له بأنه ليس القصد منه إلا تحقير الغير الذي هو محرم إجماعاً فالصواب أنه حرام غليظ التحريم وبكراهة الجدال بغير حجة مع تفسير النووي له بأنه الجدال في مدافعة الحق والجدال بغير الحق في كل من هذين تحريمه ظاهر جلي فمن أظهر مذهبه بما يعلم بطلانه فقد جادل بغير حجة وارتكب عظيم الإثم لنصرته الباطل أو ترويجه على السامع وبكراهة الخصومة من غير قيد مع اشتراط النووي لعدم تحريمها أن ينصر حجته بطريق الشرع الخ. قوله:(ولكن الأولى تركه) فكثرة الخصومات عدها صاحب العدة من الصغائر وإن كان الشخص