في صلاته وخاطره معلَّق بالمحاجة والخصومة، فلا يبقى حاله على الاستقامة. والخصومةُ مبدأُ الشرِّ، وكذا الجدالُ والمراء، فينبغي أن لا يفتحَ عليه باب الخصومة إلا لضرورة لا بد منها، وعند ذلك يحفظ لسانه وقلبه عن آفات الخصومة.
روينا في كتاب الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كفَى بِكَ إثْماً أنْ لا تَزَالَ مُخاصِماً".
وجاء عن عليٍّ رضي الله عنه قال: إن للخصومات قُحَماً.
قلت: القحم بضم القاف وفتح الحاء المهملة: هي المهالك.
فصل: يكره التقعير في الكلام بالتَّشَدُّق وتكلَّفِ السَّجْع والفَصَاحة والتصنَّع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول، فكل ذلك من التَكلُّف المذموم، وكذلك تكلُّف السجع، وكذلك التحرِّي في دقائق
ــ
محقاً كما نقله عنه الشيخان ثم بعضهم قال أراد بالصغيرة ما يقابل الكبيرة فيأثم بذلك واستشكل بأنه يبعد تأثيم المحق في خصومته إلا أن يقال من أكثر الخصومات وقع في الإثم وبعضهم قال أراد بالصغيرة ما يشبهها في رد الشهادة وإن لم يكن فيه إثم واعترض بأن إطلاق الصغيرة على ذلك خارج عن اصطلاح الفقهاء. قوله:(وكذا الجدال) أي المذموم. قوله:(روينا في كتاب الترمذي) وقال الترمذي إنه حديث غريب. قوله:(وجاء عن علي الخ) في كتاب الأم للشافعي عن علي أنه وكل في خصومة وهو حاضر وكان يقول إن الخصومة لها قحماً. قوله:(القحم بضم القاف وفتح الحاء هي المهالك) في النهاية القحم هي الأمور العظيمة الشاقة واحدتها قحمة اهـ. وعد المطرزي في المغرب فتح الحاء خطأ.
قوله:(وتكلف السجع والفصاحة) أي وأما البلاغة ما لم تصل إلى حد الإسهاب فمحمودة عند العلماء فإن وصلت إليه فمذمومة وكذا إذا كان ممن يجادل بها لتزيين الباطل وتحسينه بلفظه ويريد إقامته