للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعراب ووحشيِّ اللغة في حال مخاطبة العوام، بل ينبغي أن يقصدَ في مخاطبته لفظاً يفهمه صاحبه فهماً جلياً ولا يستثقله.

روينا في كتابي أبي داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله

عنهما أن رسول الله

ــ

في صورة الحق فهذا هو المذموم الذي ورد فيه التغليط الشديد، وفي كتاب معيد النعم للقاضي تاج الدين السبكي في ذكر طوائف العلماء ومنهم طائفة استغرق حب النحو واللغة عليها وملأ فكرها فأداها إلى التقعر في الألفاظ وملازمة وحشي اللغة بحيث خاطبت به من لا يفهمه وحن لا ننكر أن الفصاحة فن مطلوب واستعمال غريب اللغة عزيز حسن لكن مع أهله ومع من يفهمه كما حكي أن أبا عمرو بن العلاء قصده طالب ليقرأ عليه فصادفه بكلام البصرة وهو مع العامة يتكلم بكلامهم لا يفرق بينه وبينهم فنقص من عينه ثم لما نجز شغل أبي عمرو مما هو فيه تبعه الرجل إلى أن دخل الجامع فأخذ يخاطب الفقهاء بغير ذلك اللسان فعظم في عينه وعلم أنه كلم كل طائفة بما يناسبها من الألفاظ فهذا هو الصواب فإن كل واحد يكلم على قدر فهمه ومن اجتنب اللحن وارتكب العالي من اللغة والغريب منها وتحدث بذلك مع كل واحد فهو ناقص العقل وربما أتى بعض هذه الطائفة من ملازمته هذا الفن بحيث اختلط بلحمهم ودمهم فسبق لسانهم إليه وإن كانوا يخاطبون من لا يفهمه ثم أخرج عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الوراق أنه قال ازدحم النّاس على عيسى بن عمرو النحوي وقد سقط عن حماره وغشي عليه فلما أفاق وأخذ في الاستواء للجلوس قال: ما بالكم تكأكأتم علي ولا تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني، وافرنقعوا بلغة أهل اليمن تنحوا فهذا الرجل كان إماماً في اللغة وكانت هذه الحالة منه لا تقتضي أن يقصد هذه الألفاظ بل هي دأبه فسبق إليها لسانه، ثم أخرج حكايات عديدة من هذا القبيل قال ولا ينكر أنهم يأتون بالألفاظ الكثرة استعمالهم لها وغلبتها على ألسنتهم ظناً منهم أن كل أحد يعرفها وإلا فكيف يذكرونها في وقت لا يظهر فيه لاستعمالها سبب غير ذلك ووحشي اللغة هي الكلمة الغريبة في الاستعمال وذلك مخل بالفصاحة. قوله: (بل ينبغي أن يقصد في مخاطبته الخ) أي فيخاطب كلاً بما يليق به كما تقدم عن أبي عمرو بن العلاء.

قوله: (روينا في كتابي أبي داود والترمذي) وكذا رواه الإِمام أحمد كما في الجامع الصغير وأورد

<<  <  ج: ص:  >  >>