فصل: ويكره لمن صلى العشاء الآخرة أن يتحدث بالحديث المباح في غير هذا الوقت، وأعني بالمباح الذي استوى فِعْله وتَرْكُه، فأما الحديث المحرَّم في غير هذا الوقت أو المكروه، فهو في هذا الوقت أشد تحريماً وكراهة، وأما الحديث في الخير، كمذاكرة العلم، وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف، فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة به، وكذلك الحديث للعذر والأمور العارضة لا بأس به، وقد
ــ
الفصاحة ورصانة السبك وجزالة اللفظ وعللوا ذلك بأنها حينئذٍ تكون أوقع في النفس بخلاف المبتذلة الركيكة كالمشتملة على الألفاظ المألوفة أي في كلام العوام أو نحوهم فلا ينافي قولهم فيها مفهومة أي قريبة اللهم لأكثر الحاضرين خالية عن الغريب لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به.
قوله:(ويكره لمن صلى العشاء الآخرة) أي إن دخل وقتها وفعلها فيه أو قدره إن جمعها تقديماً لا قبل ذلك على الأوجه وإنما كره لأنه ربما فوت صلاة الليل وأول وقت الصبح أو جميعه وليختم عمله بأفضل الأعمال ومقتضى الأول كراهته قبلها أيضاً لكن فرق الأسنوي بأن إباحة الكلام قبلها ينتهي بالأمر بإيقاعها في وقت الاختيار وأما بعدها فلا ضابط له فكان خوف الفوات فيه أكثر وحينئذٍ فيكره الكلام قبلها إن فوت وقت الاختيار أي أنه خلاف الأولي وإلا فلا ووصف العشاء بالآخرة بمد الهمزة وكسر المعجمة للتأكيد أو احترازاً من المغرب فإن العرب كانت تسميه العشاء ولذا جاء النهي عن تسمية بذلك ولا كراهة في وصفها بذلك خلافاً للأصمعي. قوله:(الحديث المحرم) أي كالغيبة ونحوها. قوله:(والمكروه) كالمباح الذي لا يعني ويخشى منه أن يجر إلى المكروه. قوله:(فلا كراهة) بل هو مستحب لما صح فيه من فعله -صلى الله عليه وسلم- ذلك ولأن هذا خير ناجز